«الدوّامة»أخَذَت عن رواية«الضغينة والهوى»فماذا قدمت في المقابل؟
تابع المشاهد مسلسل «الدوّامة» المأخوذ عن رواية «الضغينة والهوى» للروائيّ السوريّ فوّاز حدّاد، ولأنّ الراحل ممدوح عدوان كان قد أعدّ العمل للتلفزيون، قبل سنوات، تمّت الاستعانة بنائلة الأطرش وآخرين، للاستشارة والمعالجة إن تطلّب الأمر. ولأنّ العمل بدا من الأعمال الضخمة إنتاجيّاً، إضافة إلى معالجته لفترة محدّدة من تاريخ سوريا، فإنّ ذلك دفع كثيرين إلى قراءة الرواية للوقوف على بعض الأمور التي عالجها المسلسل بضبابيّة.
تعدّ «الضغينة والهوى» عملاً مفصليّاً هامّاً من أعمال حدّاد، لأنّها أتت بعد سلسلة أعمال تاريخيّة كتبها، وسابقة على سلسلة أخرى من الأعمال النوعيّة المعاصرة. تعالج «الضغينة والهوى» عدّة محاور رئيسة، قد يكون أهمّها الصراع المزمن بين الشرق والغرب، ورؤية الغرب للشرق، وكان قد سبق للراحل عبد الرحمن منيف أن عالج موضوع النظرة الغربيّة للشرقيّين والحرص على استغلال الشرق وثرواته وتحديداً النفط في روايته الأثيرة «سباق المسافات الطويلة».
عند حدّاد اختلفت الزاوية المكانيّة المفترضة، مع بقاء الفكرة، حيث صارت سوريا محور الصراع ومركزه، وتهافتت القوى الغربيّة العظمى على المحاصصة أو الاستفراد بالثروات الطبيعيّة، والنفط في مقدمها، لأنّ تلك الدول كانت في سعي محموم وصراع لا يهدأ للعودة أو البقاء في المنطقة ليكون الاحتلال الاقتصاديّ بديلاً من العسكريّ المباشر، مع الحرص دوماً على عدم إغضاب إسرائيل التي كانت ناشئة حينها، بل التكفّل بتقويتها ودعمها. علماً بأن الرواية ركزت على فترة محدّدة تقع بين عامي 49 ـ 51، والشخصيّات الفاعلة المؤثّرة في تلك الأعوام معلومة لكل مطلع على الشأن السوري السياسي.
لعلّ من الإجحاف مطالبة الدراما، وهي التي تتقيّد بسقف معيّن من المخاطبة، بالالتزام بحرفيّة العمل الأدبيّ، لكنّه قد يكون من العدل المطالبة بالتقارب مع روح النصّ، لا أنّ يبقى النصّ في وادٍ والعمل في وادٍ آخر. هكذا ارتأى العمل الدراميّ «الدوّامة» «الالتفاف» على الرواية، بتغيير بعض ملامحها، حذفاً وإضافة، ثمّ تمّ تهميش بعض الخطوط الرئيسة وتقديم الثانوية عليها، أي أنّ الراحل ممدوح عدوان، وهو المبدع والخبير في هذا المجال، أراد أن تكون له بصمته الخاصّة، مع أنّ هناك نصّاً جاهزاً يعود إليه ويأخذ عنه. اختلفت زوايا الاهتمام، فانتقل العمل إلى الجانب البوليسيّ عند التحقيق في مقتل «غوبلان»، مع ملاحظة التطويل الذي شكّل عبئاً إضافيّاً، وكذلك كيفية تناول الشخصيّات صاحبة القرار، فـ«العقيد وهيب»(سلّوم حدّاد) الذي يتطابق في الرواية مع الشيشكلي، يقدَّم كنموذج العسكريّ المغرور الذي لا تتطابق صورته المصوّرة كزير للنساء ومدّعٍ للبطولة والمركزيّة مع مزاعمه الوطنيّة التي يتشدّق بها. كما أنّ شخصيّة رئيس الوزراء «حسن عويتي» تفترق عن «خالد العظم». كما أنّ الحوارات التي قدّمت بالإنكليزيّة والفرنسيّة أخذت حيّزاً من الوقت، كان بالإمكان تلافيه، ولا سيّما أنّ الشخصيّات كلّها «في الرواية وواقع العمل» تتقن اللغة العربيّة.
هذا ما يثير التساؤلات ويدعو إلى الفصل بين العملين. أي أن يبقى «الدوّامة» مستقلاً وناجحاً دراميّاً، وتظل «الضغينة والهوى» الرواية المميّزة.
يقال هذا الكلام من دون أن يخفى على أحد ضرورة الحرص عند المقارنة بين النصّ المكتوب والمحرَّر والنصّ المصوَّر دراميّاً. مع الوعي الكامل أن لكل فنّ شروطه الخاصّة به. فالرواية عالم متكامل، فنّ قائم بذاته، لا يستلزم عند كتابته سوى الروائيّ مدعوماً بما يحتاج إليه من أدوات تساعده في إكمال عمله، بينما يُقدَّم العمل الدراميّ للملايين من جميع العيّنات والشرائح الاجتماعيّة، ما يفسح المجال أمام إمكانية لجوء صنّاعه إلى نوع من التوافقيّة من شأنها ترويج العمل وتسويقه بشكل أكبر. فكما لم يعد خافياً تلعب معايير سوق العرض دوراً رئيساً في توجيه النصّ المكتوب أو تحريفه أحياناً، والتغيير في كيفيّة السرد، حركة الصورة، زوايا التصوير، الموسيقى التـــصويريّة، طريقــــة تتالي المشاهد وصولاً إلى التكاليف الإنتاجيّة.
الحلة الأخـــيرة التي ظهر بها المسلسل طرح أسئلة عدة قديمة جديدة، فهل يضيف العمل المأخوذ عن رواية جديداً إليها أم أنّه يؤدّي عكس المأمول منه؟ من جهة أخرى ألم تشكّل المشاهدة دافعاً عند الكــــثيرين لقراءة تلك الروايات بدافع الفضول والاستكــــشاف، والمقارنة في بعض الأحيان؟ والــــسؤال الرئيس: هل كان بين العـــملين «الدوّامة» و«الضغيــنة والهوى» تناحر أم تكامل؟
هيثم حسين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد