فتح الممر الآمن لتأمين المواد الغذائية للبنانيين
على وقع الحرب المدمرة للبنان نشطت أمس المساعي والاجتماعات في محاولة لاستحداث ممرات آمنة لتموين المناطق اللبنانية بالسلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، بهدف القضاء على ظاهرة ارتفاع الاسعار التي سببتها صعوبة الانتقال وكلفتها بعد انعدام التواصل في الداخل اللبناني.
وعقد وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني سامي حداد أمس اجتماعاً موسعاً مع عدد من الهيئات الاقتصادية والتجارية، تمحور حول كيفية تأمين المواد الغذائية الاساسية مع الحفاظ على الاسعار. اذ تمنى حداد على المجتمعين «التضامن في هذه المرحلة الحرجة التي يمر فيها لبنان وعدم رفع الاسعار، خصوصاً في المواد الاساسية الاستهلاكية للمواطنين، مع الاخذ في الاعتبار أن مديرية حماية المستهلك تقوم بواجبها على هذا الصعيد».
وطرح المجتمعون المشكلات التي يواجهونها وتتمثل بـ «نقل البضائع من المستودعات، في ظل ما تتعرض له الشاحنات من قصف ونقص في عدد السائقين، وفي اليد العاملة الذي بعد مغادرة العمال الاجانب، ويعمل على سد النقص بتشغيل اليد العاملة اللبنانية». كما أثار المجتمعون مشكلة «السيولة مع المصارف وتجميد الفوائد وتشغيل المقاصة ولو ليوم واحد في الاسبوع، اضافة الى فتح ممر آمن للبضائع»، يستحسن «ان يكون الى مرفأ بيروت».
وتحدث حداد بعد الاجتماع عن الحل بالنسبة الى الوضع الاقتصادي، فأكد أنه يتمثل في «وقف الحرب، وفي أن توقف اسرائيل عدوانها على لبنان»، معتبراً أن هذه الحرب «كارثة على الاقتصاد بصرف النظر عن نتائجها العسكرية والسياسية، فالاقتصاد لا يعيش في الحرب». وأعلن أن «الخسائر ضخمة، فتدمير البنى التحتية والمطار والجسور والمرافىء، وخصوصاً العدد الكبير من القتلى والجرحى من المدنيين الابرياء، فضلاً عن الخسارة المتمثلة في مغادرة رأس المال البشري الجيد الى الخارج، وكلها استثمارات مهمة لدينا، وهذه مشكلة كبيرة».
وعن الصعوبات التي يواجهها اصحاب الشركات والتجار، اعتبر أن «الطلب هو للمستهلك، فنحن مستهلكون، وهمنا الوحيد تأمين كل السلع وبالاسعار المخفوضة اذا امكن. لكن لسوء الحظ ترتفع الاسعار في الحرب وخصوصاً اسعار النقل، لأن السائقين خائفون». وأوضح أن «ما تحدثنا به اليوم هو بذل جهد اكبر حتى في مجال النقل، خصوصاً في الاماكن الصعبة كي يسير في انتظام، وسيكون هناك مداولات في الموضوع مع الهيئة العليا للإغاثة ومع الجيش وقوى الامن الداخلي، لنرى امكانية مواكبة الشاحنات التي يمكن ان تساعدنا الامم المتحدة والصليب الاحمر في تسهيلها».
وأعلن حداد أن هناك ثلاثة مواضيع كبيرة على هذا الصعيد تتمثل بـ «فتح الممر الآمن لوصول الامدادات الاساسية الى لبنان، وان شاء الله يكون عبر مرفأ بيروت، وتمكين الشركات الكبيرة، والتي تملك مستودعات من سحب بضائعها من المرفأ الذي يعمل كالمعتاد، وبالتالي السحب من المستودعات الكبيرة في مناطق عدة لتوزيع هذه البضائع على مختلف المناطق اللبنانية». أما الموضوع الاخير فهو «توزيع البضائع من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال وعلى كل الاراضي اللبنانية».
وعن التدابير بالنسبة الى الغاز، أوضح وزير الاقتصاد أن «نقله صعب ومكلف والاسعار مرتفعة، وهذا ليس مقبولاً، وسأنسق مع زميلي وزير الطاقة محمد فنيش على هذا الصعيد». ولفت الى أن المجتمعين «أثاروا موضوع السيولة مع المصارف»، مؤكداً أن «لدينا قطاعاً مصرفياً متيناً جداً ومصرفاً مركزياً قوياً، كما يوجد ايضاً احتياطات بالعملة الصعبة، وسعر الصرف ثابت ومتين». لكنه لفت الى «ضغط تحويلي وسيولة على التجار والصناعيين». وعلى صعيد التمون بالرغيف، أكد أن الرغيف «مؤمن وسعره لم يتغير ما عدا بعض التلاعب البسيط جداً». فيما رأى أن هناك مشكلة مهمة بالنسبة الى المازوت والغاز وسنعمل على معالجتها».
وأكد رئيس نقابة العاملين والموزعين في قطاع الغاز ومستلزماته في لبنان فريد زينون في اتصال مع «الحياة»، أن «المعالجات بدأت للقضاء على السوق السوداء تدريجاً»، اذ ارتفع سعر قارورة الغاز في بعض المناطق الى 25 و50 ألف ليرة لبنانية بدلاً من 12.5 ألف ليرة وهو السعر الرسمي للقارورة.
وعزا زينون هذا الارتفاع الكبير في السعر الى «التهافت الكبير للمواطنين مع بداية الحرب لتخزين مادة الغاز خوفاً من أن تطول فترة الحصار، مع العلم أن المخزون يكفي خصوصاً بعد انعدام حركة تأمين المادة الى البقاع والجنوب بعد انقطاع المواصلات اليهما، اضافة الى أن استهلاك القارورة في فصل الصيف يدوم أكثر من فصل الشتاء». ولفت الى «تكثيف العمل في مراكز التعبئة لتلبية الطلب في السوق». وأشار الى أن المراكز تعبىء يومياً نحو 400 طن، وكل 100 طن يعبىء 10 آلاف قارورة غاز زنة 10 كيلوغرامات». ولاحظ أن معظم المواطنين «يستبدلون القوارير لديهم بأخرى جديدة وهي لا تزال غير فارغة كلياً». وأعلن أنه سيقوم مع المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة اللبناني فؤاد فليفل بجولة تفقدية على مراكز التعبئة والإيعاز اليهم بالتقيد بالسعر الرسمي والوزن.
أما بالنسبة الى مادة البنزين، فهي ما زالت متوافرة في بيروت، لكن القصف الاسرائيلي للطرق الرئيسة والجسور والخطر على الطرق الاخرى، قطع سبل الامدادات الى المناطق.
وأعلن رئيس نقابة أصحاب محطات المحروقات اللبناني سامي براكس ان المخزون «يكفي مدة تتراوح بين 15 و20 يوماً». ولفت الى أن الأزمة «بدأت في الجنوب ولكنها امتدت الآن إلى البقاع بعدما ضربت إسرائيل طريق ضهور الشوير وبدأت تضرب الشاحنات على الطريق».
وفي مدينة صور الجنوبية أفاد السكان ان مادة البنزين ما زالت متوافرة في المحطات، لكنها مقفلة خوفاً من التعرض للقصف. ولم يعد البنزين متاحاً الآن سوى في السوق السوداء، اذ يصل سعر الصفيحة سعة 20 ليتراً إلى 40 دولاراً.
وأشار رئيس تجمع مستوردي النفط اللبناني بهيج أبو حمزة الى ان لبنان «يستورد في المتوسط نحو 400 ألف طن من المنتجات النفطية شهرياً». فيما أفادت مصادر نفطية أن أي شحنات لم تصل منذ بدء الهجوم الإسرائيلي في 12 تموز (يوليو)، كما تسبب الحصار الإسرائيلي بتأجيل وصول خمس أو ست سفن كان مقرراً وصولها هذا الأسبوع.
كما بدأت مادة الديزل المستخدمة في تغذية مولدات الكهرباء بالتناقص، وبلغ سعر الطن حتى في العاصمة 1125 دولارا أول من أمس مقارنة بما بين 680 و700 دولار في الأحوال العادية، على رغم تأكيد مسؤولي النفط أن احتياطات الوقود «يمكن ان تستمر فترة أطول».
وأشار أبو حمزة الى «تراجع في الطلب»، مؤكداً «عدم نفاد الوقود تماماً إلا إذا استمر الحصار بعض الوقت». أما بالنسبة إلى الوقود المستخدمة في محطات الكهرباء فهناك خسائر جسيمة في محطة الجية «ولكن ما زال يوجد ما يكفي مدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع.
ويعاني لبنان انقطاعاً للتيار الكهربائي تختلف فترته من منطقة إلى أخرى. ويخشى اللبنانيون من حدوث انقطاع كامل.
ورفض رئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك التعليق على الموقف.
اتسمت سوق القطع في بيروت بالهدوء، وكشفت مصادر مصرفية لـ «الحياة» أن حجم الطلب بلغ 75 مليون دولار، وبقي سعر التداول ضمن الهامش المحدد من مصرف لبنان المركزي الذي بقي جاهزاً في السوق لتلبية الطلب. وعلمت «الحياة» الى أن هناك زيادة في تحويلات واردة من اللبنانيين المقيمين في الخارج الى ذويهم في لبنان لإعالتهم في ظل الظروف التي يعيشها لبنان.
وعلى صعيد البنكنوط من الدولار، أفادت المصادر المصرفية أن السوق شهدت أمس حلحلة على هذا الصعيد بعد تأمين كميات منه. وبذلك يمكن المصارف أن ترفع سقف المبلغ الذي كانت تؤمنه للعملاء.
على صعيد آخر، قلصت مؤسسة «كابيتال إنتيليجانس» تصنيفها الائتماني الطويل المدى للبنان من «مستقر إلى سلبي». وأشارت إلى أن تضخم الدين العام المحلي والخارجي في لبنان والذي يصل إلى 175 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، أكثر من نصفه بالعملة الاجنبية «يجعل لبنان عرضة لصدمات سياسية واقتصادية».
دانيال الضاهر
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد