شبكة متسولين تستثمر في كراج البولمان:1500 ل.س دخل المتسول يومياً
اقتربت طفلة يدنو عمرها من عشر سنوات وتبدو ملامح الفاقة ظاهرة عليها من شابين محاولة بشدة استجداء بعض المال منهما مستخدمة كل ما في جعبتها من كلمات بائسة لتحصل على ما تريد ثم تتجه نحو آخرين لتدور في المكان دون توقف لساعات طوال.
لا تتسول تلك الفتاة وحيدة في كراج البولمان في العاصمة دمشق إذ تشاركها دون كلل أو ملل مجموعة من الفتيات الصغيرات التسول الذي تحول إلى مهنة مربحة بالنسبة لهن على مدار الساعة ليلاً ونهاراً دون قلق من برد أو قيظ.
ملامح براءة انتزعت من وجوه بعض الأطفال ليتحولوا مجرد آلات لجمع النقود من أيدي وجيوب أشخاص يعرفون تماما أن ما يقوم به هؤلاء الأطفال هو مهنة لا غير وأن رب عملهم هو في مكان ما قريب يراقب خطواتهم بدقة ليأخذ ما جنوه من مال بانتظار يوم جديد.
لباس رث يكسو أجساد بعضهن على حين ارتدت أخريات لباسا أفضل كبيجاما حمراء جديدة وأما القذارة والاتساخ فرسمت خطوطا جديدة لملامح غريبة في وجوه الفتيات هي كل شيء ما عدا الطفولة التي غادرت وجوه بعضهن لتشكل قسوة الحياة التي أجبرن على العيش فيها ونمط العمل الذي يمارسنه شكلا خاصاً في طريقة تعاملهن مع الآخرين تبعد عنهن نظرة الرحمة التي ينظر بها الإنسان إلى الإنسان المحتاج إلى واقع الازدراء نتيجة ما تظهره بعضهن من معاملة رعناء للناس ومن قذارة الملبس والبدن.
- جميع العاملين في كراج البولمان يعرفون شيرين البالغة من العمر نحو 13 عاماً ويطلقون عليها ممازحة اسم «شيرا» وهي تقود مجموعة المتسولين صغار السن من الذكور والإناث في الكراج ممن تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات وحتى 13 عاماً والذين يصل ما يحصل عليه أحدهم من التسول وفق ما يقدر أحد العاملين في الكراج ما بين 800 و1500 ليرة يومياً.
وأما محاولة التواصل معها فمصيرها المحتوم الفشل لأن مهمتها تقوم على طلب المال والتسول فقط فإما أن تعطى أو أن يرفض طلبها لتعاود الكرة مع آخرين دون ملل محاولة أولا بالطيب واللين والكلام الحزين عن فقرها وحاجتها والتعطف والدعاء بالتوفيق لمن يعطيها ثم الثوران والشتيمة والسباب وحتى الضرب لمن يرفض تسول أحد أعضاء مجموعة المتسولين الصغار أو ينهره بشكل عصبي في حال تعذر على المستهدف بالتسول صرف المتسول بالطرق السلمية.
لا يبتعد مكان عمل شيرا ومجموعة المتسولين الأطفال التابعة لها أكثر من خمسين متراً عن مكان إقامتها وفق ما أكد أحد العاملين في مكتب حجز لشركة حافلات تنقل الركاب إلى المنطقة الشرقية إذ تقيم في مكان لا يمكن تخيل وجوده في العاصمة دمشق يسير وكما يبدو وفق نمط عيش صارم ينظم حيات قاطنيه كما الطريقة المنظمة التي بنيت بها منازله. ورغم أن المنظر على الأرض لا يوحي بذلك الرقم فإن أصحاب محلات في المنطقة نشير لهم دون أن نذكر أسماءهم نظرا لحساسية الموقف قالوا إن نحو 30 عائلة أو أكثر تعيش في بيوت من الصفيح على مقربة من محطة انطلاق الحافلات المسافرة إلى المحافظات السورية بحيث يمكن لأي شخص مشاهدة بيوت الصفيح تلك من نافذة الحافلة التي يستقلها مسافراً فهي لا تبعد عن الطريق سوى بضعة أمتار ويخفيها عن الأنظار تلال من القمامة والأتربة يشاهد بوضوح الأطفال وهم يلعبون عليها.
منازل الصفيح المغطاة بالبلاستيك السميك بألوان زرقاء وصفراء فاقعة لمنع المطر من اختراق سقفها أخذت شكل الحي المنظم الأبعاد ولكنها تعيش بلا خدمات كونهم استولوا على أرض حاول صاحبها مرارا استعادتها دون فائدة وفق ما ذكر أحد أصحاب المحلات وليحصل قاطنو بيوت الصفيح على الكهرباء بالاستجرار غير الشرعي والمياه من محطة انطلاق الحافلات وأما الصرف الصحي فالعراء المحيط بهم هو المكان الأنسب لقضاء...
وتتوزع العائلات من منطقتين مختلفتين فمنهم أربعة أو خمسة بيوت من النَوَر أما البقية فهم من إحدى مدن المحافظات الشرقية وفق ما يروي أحد المقربين منهم مضيفاً إن منزل الشيخ أو الزعيم كما يسميه متطرف على الجهة الأخرى من الطريق ويميز اللون الأصفر لون الغطاء البلاستيكي المحيط به.
وتقول بعض الروايات في المكان إن القاطنين في بيوت الصفيح يمتلكون بيوتا فارهة في محافظاتهم الأصلية بل إن احدهم يمتلك قصرا وأما نمط معيشتهم هذا فهو أمر اعتادوا عليه وليس حالة من الفاقة يعانون منها.
ويرى بعض جيرانهم من أصحاب المحلات أن العلاقة طيبة مع هذا التجمع البشري وإن كان لا يخلو أحياناً من بعض المشكلات بين القاطنين هناك وسائقي الباصات ومعاونيهم ممن يوقفون حافلاتهم بالقرب من بيوت الصفيح الخاصة بهم قبيل دخولها إلى الكراج لنقل الركاب.
- بينما كان كريم يودع زوجته المسافرة إلى مدينتها لرؤية أهلها قال للوطن إنه تعرض لموقف حرج من إحدى المتسولات بعد أن طلب منها بطريقة لطيفة أن ترحل مع دعائه لها بالرزق فما كان منها إلا أن عاودت المحاولة مع زوجته ليضطر إلى أن يطردها بعنف.
ويقول كريم: الإحراج وسيلتهن، عندما تكون معك أمك أو زوجتك أو طفلتك يحاولن تركيز الانتباه عليها والتمسح بها حتى تعطيها النقود.
- ويعقب وليد على كلام كريم في مكان آخر من كراج البولمان: ما أن تعطي إحداهن بعضاً من النقود حتى تتوافد بقية المتسولات للطلب منك بإصرار أكبر وبتعطف واستجداء أكثر.
وليد الذي كان مسافراً إلى المنطقة الشرقية روى كيف تعرض شاب قبل عدة سنوات للضرب من قبل إحدى المتسولات لأنه نهرها وطلب منها الابتعاد عنه وكم أبدت تلك المتسولة من قوة وبأس أثناء محاولتها ضربه على الرغم من أن جسد الشاب أضخم منها بمرات عدة ولكن يبدو أن ضرباتها كانت مؤثرة.
- وتنظر هدى وهي إحدى المسافرات إلى المتسولات بعين أخرى فرغم اقتناعها أن تسولهن مجرد مهنة لا أكثر وأن كل ما يقلنه من عبارات هي مجرد تكرار واضح فهي ترى أنه لابد من إعطائهن النقود فهن أولا وأخيراً بشر إضافة إلى أنهن فتيات صغيرات لابد من أن يعاملن بطيبة ولطف.
براءة الأطفال تستباح على باب التسول في كراج البولمان للحصول على المال بأي طريقة وأما العفة وحتى تعالج قضية المتسولات الصغيرات فالعبرة في القصة الحقيقية التالية إذ يروى أن محسنا دخل منزل عائلة توفي معيلها مخلفا أماَ وبنات أربع وبينما جالست الأم المحسن في غرفة صغيرة طلب الاطمئنان على بناتها فما كان منها إلا أن أخبرته أنها ستدخل غرفة أخرى وترسلهن.
بعد أن دخلت الفتيات عليه فرادى عرف المحسن السبب إذ لم يكن لدى تلك العائلة سوى عباءة واحدة تستر بها الفتيات أجسادهن عندها خرج المحسن من البيت المستور المغلقة أبوابه على من فيه باكيا على عفة العائلة المحتاجة.
- تشير حالة كراج البولمان التي شاهدناها أن المنطقة محمية تماما ولا يمكن دخولها إلا عبر البوابات المخصصة والمحروسة والمراقبة وهذا يفتح السؤال لماذا تغيب إدارة محطة انطلاق حافلات البولمان عن معالجة الظاهرة التي بين أيديها واضحة، وكذلك السؤال مفتوح على مسامع وزارة الداخلية التي يحصل التسول تحت أنظار رجالها هناك.
فادي مطلق
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد