ألا ليت المحافظ يقطن في حينا
الجمل- حلب- محمد نجيب بنان: أمنية طالما دعوت ربي أن تتحقق بل كثيراً ما حلمت بها وهي أمنية محقة لا مجال للطعن فيها فأسباب رغبتي في سكنى المحافظ في حينا وجيهة ومقبولة وتتلخص بما يلي:
أولاً: حبنا الشديد له (أنا وجميع ذرات الحارة)
وثانياً: أن المحافظ كما يعلم الجميع سعيد وقالوا في المثل:( اللي يجاور السعيد يسعد)
وثالثاً: أنني من شدة حبي للمحافظ فإنني لا أطيق عنه صبراً وحلُّ المشتاق التلاق, و مادام التلاق مستحيلاً في قصر الضيافة ففي حارتنا ممكن, لأنني من المستحيل أن أقطن في ذلك الحي لا لضيق ذات اليد فقط, بل لأنني أرى القرب حجاب وأنا لا أحب الحجب وبالمناسبة فأنا أحبه عن بعد دون أن أراه (والأذن تعشق قبل العين أحياناً)
أحب أن يقيم المحافظ في حيِّنا أو حتى أن يشرفنا بالمرور لأنه كما قلت لكم من جاور السعيد يسعد, والسعداء إذا مروا بطريق فإنهم يفيضون عليه البركات, فذات يوم كنت ماراً في أحد أزقة حارتنا المبجلة الواقعة في مدينة موزنبيق الشهباء, لاحظت حركة غير طبيعية, ونظافة غير اعتيادية, فاستغربت وقلت هل أنا في حينا أم أنني ضللت الطريق, لكنني تعرفت على حيِّنا عندما سمعت صوت جارتنا المحترمة عندما كانت تنادي ولدها ياابن الــ.... روح من وجهي فرد الولد بكل أدب يلعن أمي حتى أخلص منكم, ومما زاد في تأكدي من أنني في حارتي هي أكوام القمامة التي لم تصلها حملة النظافة والتي غدت شعاراً ورمزاً للحارة, بل إشارةً وعلامةً يستدل بها القادمون لزيارة أقاربهم, حزنت لنظافة الشارع كثيراً وقلت في نفسي لو أن فرداً من أفراد الحارة كان ينتظر زيارة أحد من الناس وقد رسم له مخططاً للبيت وقد ظهرت بجانبه المزهرية التي أكلت حتى انتفخت بطنها وجاءها الهواء البارد فأصابها بمغص فقاءت ما أكلته على نفسها, قلت في نفسي كيف سيصل ذلك الزائر ؟؟لم أكد أتثبت من أنني في حينا حتى سمعت صوتاً هاتفاً في النهار يقول (دستور يا حاضرين) كان هذا الصوت كالبرق الذي يسبق الرعد والمطر, فما هي إلا غمضة عين وانتباهتها حتى دوّى صوت انفجار قوي خلت أنَّ أحداً تجرأ على انتهاك حدودنا الجوية, لكن ظهر لي أن الصوت ما هو إلا صوت كيس من الهدايا سقط من الطابق السابع الذي قام بتشييده أبو فلان العامل في الــ.... بعد أن دفع كفارةً عن مخالفته قدرها المرتشون بنصف ثمن البيت, والحق يقال أن البلدية جاءت وقامت بعملها فهدمت بضعة أحجار واقتادت تاجر البناء الذي ساءه بشدة ما حصل وبدأ بإجراء اتصالاته وهو يشتم ويقول نحن اتفقنا تهدموا خمس قرميدات ( قرميدات جمع قرميدة وهي نوع يشبه لبن البناء لكنها شديدة الضعف) مو ستة ولما كانت الحكومة وأفرادها في خدمة الشعبة فقد اصطحبت تاجر البناء المخالف إلى مطعم الـ لكي ينال جزاءه العادل هناك المهم نزل كيس الوسخ أقصد كيس الهدايا وملأ أركان الشارع بل أصاب بعض المارة, ولا أدري أمن حسن الحظ أم من سوئه تواجد موظف البلدية ساعة القصف, فرأى آثار الدمار بأمِّ عينه فانتفخت عروق وجهه, وصعد الدرج, وطرق الباب, يريد أن يأخذ اسم صاحب الثكنة التي تم القصف منها ليكتبه مخالفةً ولكنه نزل سريعاً يجر أذيال الخيبة عندما علم أن صاحب البيت هو الـ ... المحترم الذي يعمل في الـ ... ومشى وكأن شيئا لم يكن.
في حينا المحترم حتى مسجد الحي لم يسلم من الأذى فالحاويتان بل المزهريتان قد توضعتا في جهته الغربية ليهب الهواء فيشم المصلون جميعاً وبالتساوي رائحة الحضارة والنظافة والاحترام والأدب. أما عامل تنظيفات الحارة فهو محترم غاية الاحترام, بل ومتفان في عمله والحق يقال,فمن شدة تفانيه في عمله أنه يعمل عمله وعمل غيره فكل يوم عند المساء يضرم النار في تلال القمامة ليصل لسان النار إلى السماء, حتى إذا رأته إسرائيل ظنتها مفاعلاً نووياً, وأخشى أن يأتي يوم فيصيبنا قصف نتيجة النيران التي لا تتوقف.
فعل الزبال هذا (كلمة زبال ليست شتيمة ولكن هي اسم للمهنة فنجار لمن يعمل في النجارة و حداد لمن يعمل بالحديد وزبال لمن يعمل في الزبالة) مبرر ومأجور عليه, فهو يعلم نقص عدد الآليات المعدة لذلك, فهو يضرم النار لكي يخفف من عبء تصريفها على الدولة فشكراً له من بيوتنا المتشحة بالسواد من دخان حريقه.
لا تسألني أين أقيم, أنا في المدينة التي تدفع الملايين سنوياً كرسم نظافة مع أنها لا تحصِّل من حقها مقابل دفعها إلا جزءاً يسيراً.
لا تسألني أين أقيم فانا أقيم وبكل فخر في مدينة المليون حفرة في كل حارة.
لا تسألني أين أقيم فأنا أقيم في حيٍّ كان الفرد فيه يدفع عن منزله أقل من مائتي ليرة كرسم للنظافة فصار مضطراً لدفع ستمائة ليرة نتيجة قرار حكيم سوَّى بين من يسكن قصراً وبين من يسكن بيوت الصفيح معتبراً أنه لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ إلا بالتقوى.
لا تسألني أين أقيم فأنا أقيم في حي سئمت العيش فيه فالأطيان التي تملأ الطرقات صيفاً وشتاءً قد أفقدتني صوابي.
لا تسألني في أي عمارة أسكن فأنا أسكن في عمارة يبدأ شطف الدرج فيها في الصباح ولا ينتهي إلا في الأسبوع الذي يليه بعد عشرين مشاجرة بين الجيران متبوعة بسيل من الشتائم.
إن أي فرد هام في الدولة يسمى مسؤولاً والتسمية جاءت من المسائلة ومن السؤال عمن هم في عهدته.
إن أي فرد مصلح لا يستطيع فعل شيء في هكذا ظروف لأنه لا يسمع له, فشيخ حارتنا على سبيل المثال قد بح صوته وهو يعيد ويكرر لكن دون فائدة, ومادمت الجزرة لم تنفع فمرحباً بالعصا لكن شريطة أن تطال كل مقصر ودون تمييز.
أعضاء الدولة المحترمين إن كنتم تظنون أننا لا نطيق صبراً على بعد أكياس القمامة فإننا نؤكد لكم أننا من أجل عيون الشهباء يمكن لنا أن نتخلى عمن رافقنا فترة الصبا والشباب. اتقوا الله فينا أليس عيباً ونحن في القرن الحادي والعشرين أننا مازلنا نكتب عن الأوساخ ؟؟؟ والعالم يكتب في صحفه عن تنظيم زيارات إلى الكواكب المجاورة ؟؟؟
إنَّ كل ما تقدم ما هو إلا همس من محب, وعتب من صديق يخاف على المسؤولين من تأنيب الضمير وأولاً وأخيراً
بلادي وإنْ جارتْ عليَّ عزيزةٌ وقومي وإن ضنُّوا عليَّ كرامُ
الجمل
إضافة تعليق جديد