وفاة الفنان عازار حبيب إثر نوبة قلبية
من عام 1981 الى 1987 تقريباً، كان جميع نجوم الغناء الذين يقدمون جديداً في لبنان، كأنما لم يقدموا الجديد إذا كانت كاسيتاتهم خالية من لحن أو أكثر للفنان عازار حبيب. وبين تلك السنوات كانت الشركة الإنتاجية الناجحة هي التي تستطيع خَطْب ودّ عازار حبيب.
وكان هو، كمغن إضافة الى كونه ملحناً، يمارس نوعاً من النجومية التي يستحق، نظراً لمكانته بين فناني تلك المرحلة، وكانت حفلاته هي الأكثر انتشاراً وتهافتاً عليها من قِبل الجمهور، وكان ضيف البرامج الإذاعية والتلفزيونية وصفحات المجلات بما لا يقاس مع أي فنان غيره. فجأة، تراجع عازار حبيب. تراجع أكثر. تراجع أكثر فأكثر. وفي النهاية تراجع حتى لم يعد أحد يصدّق أن «ذاك» الذي كان اسمه عازار حبيب هو نفسه «هذا» الذي «صار» اسمه عازار حبيب. انه اختلاف الزمن من جهة وإيقاعه، واختلاف الظروف الفنية والخاصة، واختلاف الجمهور، وهذه هي النقطة الأبرز التي لم يكن عازار ليصدّق أنها حدثت بالفعل.
مسألتان كانتا سبباً في انتشار عازار حبيب بين 81 و87 من القرن الماضي، ومسألتان كانتا سبباً في انحساره بعد ذلك التاريخ...
المسألتان اللتان أسهمتا في تتويجه نجماً هي صوته الرقيق الذي يشبه الأصوات المعذبة عاطفياً، وهذا النوع مرغوب ومحبوب لدى فئات من الجمهور، ثم ألحانه الخفيفة التي حملت جملة رقراقة عذبة تجتذب أكثر نوعيات الأصوات سواء تلك «المتخصصة» بالغناء الشعبي أم بالغناء الثقيل.
يضاف الى ذلك أن عازار حبيب «تخصص» في إيقاعات غنائية حصدت إعجاباً كان يبلغ أحياناً حدوداً غير متوقعة (مثل أغنية «صيدلي» على سبيل التذكير)... فالأغنية كادت تطبع الثمانينات الغنائية في لبنان بطابعها على رغم بساطتها الفنية حتى لا نقول ركاكتها، وقد أشعلت في عدد كبير من الأغاني التي أُنتجت بعدها ذلك الإيقاع الذي اعتمده عازار فيها. لكن «ارتياح» عازار الى ذلك الإقبال الذي عز نظيره على ألحانه وأغانيه من الجمهور والإعلام معاً، ربما أدخل في حسبانه انه يستطيع أن يبقى حيث هو، مع تلك الجملة اللحنية الخفيفة وذلك الإيقاع الأثيري لديه، لوقت طويل، من دون أن يتأثر. وكان حسابه خاطئاً، فقد دخل حالة من الروتين في نوعية الأغاني التي كان يقدمها بصوته، وحالة من التكرار في نوعية الألحان التي كان يقدمها لغيره، وبقي فترة سنوات ثلاث تقريباً من (1987 – 1990) لا ينتبه الى الذي يجري معه وحوله إن لجهة أغانيه الخاصة التي تحولت رتيبة، أو لجهة ألحانه للآخرين التي «تحجّرت» في مكان، وكانت هاتان المسألتان سبباً للانحسار بعد انتشار لامس مساحة الانتصار.
منذ التسعينات حتى مطلع القرن الجديد وصولاً الى الآن، كان عازار حبيب في حكم الغائب. صحيح أن غيابه تكرس أكثر في السنوات الأخيرة، لكن الصحيح أيضاً هو ان أي مقارنة بين ما قبل التسعينات وما بعدها تكشف انه بات منسياً إن لم يكن تماماً فبنسبة عالية جداً، بل قاتلة.
... وبدأ اتهام عازار حبيب لنجوم الغناء بأنهم لا يعرفون ماذا يغنون ولا كيف يغنون، تعبيراً عن ضيقه من ظهور ملحنين أكثر «شباباً» منه في الجملة اللحنية وإيقاعاتها أخذوا المكان منه ومن بعض الملحنين الذين جايلوه. كما بدأ اتهام بعض أولئك النجوم له ولغيره من الملحنين بأنهم لا يطوّرون تجاربهم، ولا يخرجون من نطاق الجملة اللحنية المعروفة عنهم. وبعد ابتعاد نجوم الغناء عن ألحانه، بدأ يشعر شيئاً فشيئاً أن الجمهور يبتعد عنه كمغن أيضاً، وشركات الإنتاج تضرب به عرض الحائط. وقد حاول اختراق هذه الوضعية أكثر من مرة إن عبر إنتاج خاص أو عبر بعض الإطلالات الإعلامية الخجولة، لكن كان القطار قد فات على ما يبدو، ولم يعد في الإمكان إصلاح ما كان ينبغي إصلاحه من قبل بكثير.
كانت سنوات كأْداء على عازار حبيب، سنواته الأخيرة. من ملامحه ومن نظرات عينيه كانت تطل عبارات اليأس والألم والحسرة والخيبة ممزوجة بالغضب واللوم والاستهتار المؤذي، حتى رحل الرجل. كان رحل عازار حبيب قبل أن يرحل. ربما كان مات قبل أن يموت.
عازار حبيب كان من الجيل «المخضرم»، أي الذي عاش مرحلتين. مؤسف أن معظم هؤلاء أخلوا الساحة مرغمين لجيل شاب يكاد لا يعترف إلاّ بنفسه لولا بقية من الحذر!
- غيّب الموت الملّحن والمطرب اللبناني عازار حبيب في بيروت ليل أول من أمس، اثر نوبة قلبية عن عمر يناهز 62 سنة. ويشيّع جثمانه ظهر اليوم حيث يحتفل بالصلاة لراحة نفسه في كنيسة سيدة الفنار- شرق بيروت، ثم يوارى الثرى في مسقط رأسه في قرية الحوش – قضاء راشيا.
يذكر أن حبيب كان يستعدّ لتسجيل ألبوم جديد بعنوان «بدي حبك ليل نهار». وفي رصيده 9 ألبومات منها «لولاكي يا ملاكي»، «نانا»، «صيدلي»، «على جبين الليل»، «بدِّك زقفة»، «احترنا شو بدنا نغني». كما لحّن أغاني شعبية ورومنسية لمطربين لبنانيين وعرب منهم صباح ومروان محفوظ وجاكلين ومادونا والأمير الصغير وهادي هزيم وأمل حجازي، وفلّة وغيرهم.
إضافة تعليق جديد