هل يُساق رامسفيلد إلى السجن الفرنسي؟
لم يكن وزير الدفاع الأميركي السابق، وقطب المحافظين الجدد، دونالد رامسفيلد ليتوقع أن يستقبله في زيارته الباريسية، القائمة منذ يومين، طلب من رئيس الاتحاد العالمي لحقوق الإنسان باتريك بودوان لاعتقاله وإيداعه سجنا فرنسيا على وجه السرعة، بسبب تعذيبه عراقيين في سجن أبو غريب، وآخرين في معتقل غوانتانامو.
وفيما تلتزم السفارة الأميركية الصمت حيال القضية، قد لا يكون بإمكان رامسفيلد، الذي أفسد بودوان زيارته الباريسية، الخروج من الأراضي الأميركية داخل حرم السفارة، في وقت لا يحسد أحد المدعي العام لدى محكمة بداية باريس جاك ماران، الذي دفعت إليه، أمس الأول، أربع منظمات أميركية وأوروبية للدفاع عن حقوق الإنسان بملف تجريمي يمنح ماران حق مقاضاة رامسفيلد لاعتقاله في أقرب سجن لمكان إقامة الوزير السابق، استند إلى توقيع فرنسي ذيل المعاهدة الدولية ضد التعذيب.
وتمنح المعاهدة كل من وقعها حقاً عالمياً وصلاحية إلزامية لا حدود لها لملاحقة المخالفين أو تسليمهم، من دون أن يتطلب ذلك تشريعا ينصب فرنسا قاضيا دوليا في كل ما يمس حقوق الإنسان.
والفخ مزدوج بطبيعة الحال، عندما يكون الملاحق من طينة رامسفيلد، الذي بذلت بلاده جهودا ضد محكمة العدل الدولية، فلم توقع على معاهدتها درءا لملاحقة مواطنيها.
وقال باتريك بودوان، الذي يقود الحملة من باريس ضد رامسفيلد، لـ«السفير» إنّ «المعاهدة ضد التعذيب أصبحت قانوناً جنائياً فرنسياً، يستدعي اعتقال من ارتكب جريمة تعذيب، ولا حصانة تحمي رامسفيلد منذ أن استقال».
أمّا متاعب رامسفيلد مع العدالة، التي يريدها بودوان كونية، فسببها توقيعه على مذكرات أصبحت دليل عمل «المحققين» الأميركيين في أبو غريب وغوانتانامو للتعذيب وانتزاع الاعترافات من المعتقلين. ويحض هذا التوقيع على كل عمل يحمي الأمن الأميركي، ويحط من شأن كل المعاهدات الدولية لحماية أسرى الحرب، التي لم يكن لها داع، في سياق الحرب على الإرهاب أن تنطبق بداية، بحسب رامسفيلد، على غوانتانامو، ومن بعدها على أبو غريب.
ووفقاً لبودوان فإنّ الادعاء لن يحتاج شهودا كثيرين لإثبات مسؤولية وزير الدفاع الأميركي السابق، «فالملف يحفل بشهادات مبعوثي مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) الذين رووا لمنظمات حقوق الإنسان الأميركية مشاهداتهم في غوانتانامو وفي أبو غريب، وقمت بتوثيقها للإعداد للدعوى التي باشرتها في باريس لحظة وصول رامسفيلد»، مشيرا إلى أنّ «باستطاعة أي قاض فرنسي أن يطلب حالياً اعتقال واستجواب رامسفيلد في فرنسا».
ويستطيع القاضي أيضاً أن يستدعي شاهد الادعاء الأول في القضية والأمضى الجنرال جانيس كاربنسكي، التي قادت المعتقل العراقي الأشهر. وقد أبدت كاربنسكي استعدادها للإدلاء بشهادتها ضد رئيسها السابق.
وإذا ما قدر لرامسفيلد المثول أمام محكمة البداية الباريسية، فقد يشاهد عن قرب، ومن دون رداء برتقالي محمد القحطاني، أحد قدامى غوانتانامو، وقد نظمت رسالة وقعها رامسفيلد تعذيبه والتحقيق معه.
ويبدي بودوان تفاؤلا في رؤية رامسفيلد في الطابق السفلي للمحكمة الباريسية، ذلك أن القانون الذي يلاحق رامسفيلد بموجبه جربته فرنسا، ولكن ضد طريدة ذات جناحين من زغب دبلوماسي طري، عندما أخلت سجن مونبلييه ستة أشهر بالشبهة نفسها، لتعذيب الملازم الموريتاني علي ولد باه معارضين للرئيس المطاح به معاوية ولد الطايع، ثم غضت النظر عن هروبه المعلن سلفا إلى بلاده، «فالموريتاني اعتقل بموجب القانون نفسه ولا شيء يمنع اعتقال جلاد اسمه رامسفيلد، وهذا أوان أن تقوم السلطات بواجبها تجاه رجل خالف كل القوانين الدولية».
لكن رامسفيلد ليس رجلا عاديا، وتتناقض في التعامل مع قضيته مصلحة الدولة العليا والمبادئ الأخلاقية التي يقوم عليها القانون الدولي. «نعم»، يستدرك بودوان، «نتعامل مع قضية تقف على أرضية سياسية، وهي ليست قضية قانونية صرفة، لكنها مناسبة لفرنسا التي تقول إنها موطن حقوق الإنسان لإثبات مقالتها. وإذا لم نستطع اعتقال رامسفيلد لمحاسبته، فما فائدة الدعوى التي يعترضها منطق مصلحة الدولة».
هناك طموح أخير لبودوان ولمنظمات حقوق الإنسان، بانتظار أن يتغير العالم، وهو أن رامسفيلد «سيعلم أن هناك من يلاحقه، وأنه شخص غير مرغوب فيه، وإذا لم نستطع محاكمته، فسيكون العالم أضيق على رامسفيلد ولن يستطيع السفر كما يشاء».
أليست عقوبة الأميركيين الأولى منع سفر خصومهم؟.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد