الكتائب اللبنانية في زمن القوة والضعف
تأسس حزب الكتائب اللبنانية عام 1936، حركة كشفية شبه عسكرية بوجه مسيحي ماروني تدعو إلى استقلال الكيان اللبناني بذاته، وذلك في مواجهة "كشاف المسلم" الذي كان يدعو آنذاك إلى الوحدة السورية والعربية.
وحزب الكتائب -حسب أدبياته- هو حركة ديمقراطية اجتماعية شارك في "حركة الاستقلال" ضد الانتداب الفرنسي (1941-1943)، وحمل بعد الاستقلال شعار "الإصلاح السياسي" و"التعايش" مع المسلمين في بلد متعدد الطوائف، ولكنه من جهة أخرى كان أحد الأطراف الأساسية في الحرب الأهلية اللبنانية التي نشبت في السبعينيات (1975-1990) وشطرت لبنان إلى قسمين متصارعين، قسم شرقي وكانت الكتائب اللاعب الأبرز فيه لسنوات وآخر غربي.
وتمسكت الكتائب إبان الحرب الأهلية بشعار حماية "الوجود المسيحي" في لبنان، وإخراج المسلحين الفلسطينيين منه، فيما كانت الشعارات المناوئة لها تصفها "بالانعزالية" وتتهمها بالتعامل مع إسرائيل والعمل على "تقسيم لبنان"، وارتبط اسم الكتائب بمجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا (16-19 سبتمبر/ أيلول 1982) التي نفذتها القوات اللبنانية الذراع العسكرية للكتائب إبان الغزو الإسرائيلي للبنان.
ولكن في المرحلة التي أعقبت الطائف وسبقت الخروج السوري من لبنان أي بين العامين 1990 و2005 شهدت الكتائب تغييرا كبيرا حيث تحسنت علاقتها -في سياق مفاعيل اتفاق الطائف- مع المجموعات اللبنانية الأخرى حتى مع الإسلامية منها كحزب الله، كما تحسنت علاقتها مع سوريا بشكل لافت، وهي التي كانت في معظم التاريخ الكتائبي تتسم بالسوء والتوجس المتبادل، مع الإشارة إلى أن رئاسة الكتائب كانت في هذه الفترة قد خرجت من يد عائلة آل الجميل.
اقترن اسم الحزب بعائلة آل الجميل، فمؤسس الحزب هو بيار الجميل (1905-1984)، وفي العام 1982 قتل ابنه الأصغر بشير الجميل بعد أقل من شهر على انتخابه رئيسا للجمهورية في سبتمبر/ أيلول 1982، مكرسا صورة الشاب "الشهيد" من آل الجميل، وليصبح أحد الرموز الأساسية لحزب الكتائب وللساحة المسيحية عموما.
وبسبب انتخاب أمين بيار الجميل لرئاسة الجمهورية خلفا لأخيه ثم وفاة والده بيار الجميل عام 1984 تم اختيار إيلي كرامة رئيسا لحزب الكتائب، ومع انتهاء ولاية أمين الرئاسية عام 1988 وخروجه للمنفى ضعف موقع آل الجميل في حزب الكتائب.
وخلال التسعينيات تولى جورج سعادة رئاسة الحزب ولمرتين متتاليتين في الوقت الذي كثرت فيه الانشقاقات والخلافات في البيت الكتائبي، واستمرت مع رئاسة منير الحاج وبلغت الذروة باستلام كريم بقرادوني لرئاسة الحزب عام 2001، حيث أصدر قراره الشهير في يوليو/ تموز 2002 بفصل أمين الجميل من الحزب على إثر خلافات حادة معه.
ولكن بعد خروج الجيش السوري من لبنان تمت المصالحة بين الرجلين، واختير أمين الجميل رئيسا أعلى للحزب، فيما احتفظ بقرادوني بصفته رئيسا، واستعاد آل الجميل الصورة التي تجمعهم بالكتائب كقرينين بعد اغتيال بيار الجميل الحفيد، نجل أمين الجميل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006.
ومع عودة آل الجميل إلى الكتائب وانقسام لبنان إلى قوتين رئيسيتين، شهدت الكتائب مجددا تحولا في توجهاتها حيث انضمت إلى قوى 14 آذار المناوئة لسوريا، في مواجهة قوى 8 آذار التي حافظت على علاقتها الجيدة مع سوريا.
وخسر حزب الكتائب نوابه في البرلمان اللبناني خلال موجة التفجيرات التي شهدها لبنان، حيث كان قد اغتيل النائب بيار أمين الجميل في العام 2006، ثم اغتيل النائب أنطوان غانم في 19 سبتمبر/ أيلول 2007.
وفشل الحزب في استعادة المقعد الذي شغر بمقتل بيار الجميل، حيث خسر أمين الجميل الانتخابات الفرعية الخاصة بهذا المقعد أمام مرشح من التيار الوطني الحر وذلك في 5 أغسطس/ آب 2007. ومنذ ذلك الحين كثر الجدل حول ما تمر به الكتائب من أزمة، هل سيؤدي إلى إضعافها أم إلى تقويتها، والآراء منقسمة حول هذا الشأن تبعا لانقسام القوى اللبنانية.
شفيق شقير
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد