حسين درويش : دمشق واستحقاق الثقافة
لن يمر خبر استعدادات دمشق للعاصمة الثقافية العربية 2008 مروراً عادياً، فقد انتَخبت أمانة الاحتفالية جملة أسماء أو رموز عالمية لتكون في أقدم مدن التاريخ على المعمورة،وإذا كانت تصريحات السيدة حنان قصاب حسن الأمين العام للاحتفالية تذهب عميقاً في جديتها، فإن دمشق سوف تكون في مارس المقبل قبلة مثقفي العالم.
ولسوف يقف المرء طويلاً أمام أسماء مثل إيزابيل ألليندي ونعوم تشومسكي وعابد عازاريه وبوب ويلسون وصادق جلال العظم وغيرهم من الذين تراهن عليها دمشق لتكون احتفالية متميزة ومختلفة، فالأسماء الكبير في اختصاصها تعطي مصداقية كبيرة أيضاً للعمل ' لذلك يبدو مدهشاً أن تكون هذه النخبة حاضرة وأن تكون مؤثرة ببعدها الإعلامي وصداها المعرفي الذي لا يجهله المثقف وخاصة في مدينة عريقة كدمشق.
إن رهان الاحتفالية لا يكون نخبوياً باختيار أسماء لها وزنها عالمياً فقط، بل بإعطاء تلك الأسماء حضوراً في الاحتفالية، وقد كان يحدث أن عشرات المثقفين يأتون للمهرجانات للفرجة فقط دون الاستفادة من حضورهم بشكل جيد، وكثيراً ما كان يمضي ضيوف المهرجانات أوقاتهم في أماكن إقامتهم، في حين أن عدداً كبيراً من الصالات الثقافية تكون خالية من أي نشاط، وقد جرت العادة دائماً التركيز على مكان واحد إلى درجة أن المهرجان هو مقر المسرح الفلاني فقط.
لا شك أن أصعب ما يواجه احتفالية دمشق هو أعداد جيد للفرق المنفذة للمشروع، وكثيراً ما اصطدمت العقول المنفتحة ببيروقراطية موظف رسمي، يعيق تنفيذ المشاريع أو ينظر إليها من موقع «شوية حكي» وبعدها ينصرف الناس، وهذا يبدو ما ستواجهه أمانة الاحتفالية، فإذا كان اختيار عناصر جيدة سينجح الاحتفالية، فإن إعطاء الصلاحيات والإقرار بأهمية العمل العام سيكون نصف نجاح أي خطة ولذلك التركيز على الكادر البشري هو الجزء الأهم من هذه الاحتفالية.
وإذا كان المرء يخشى أن تكتفي الاحتفالية بتنظيف الشوارع، وغسل واجهة المحال التجارية وتلميع بعض المناطق القديمة، فإن الخشية الأكبر أن تضخ المطابع إلى المكتبات عشرات الكتب من تلك النوعية التي تتكدس في مستودعات اتحاد الكتاب،وهذا ـ برأينا ـ هو الفيصل في أي احتفالية ثقافية، حيث تمضي المسرحية وينتهي المعرض وتختتم الأمسية، لكن الكتاب يبقى في الذاكرة ويعيش طويلاً بين الأجيال، لذلك يبدو إيلاء الإصدارات اهتماماً خاصاً سيساعدهم في جعل الاحتفالية موضع فخر.
بين اليوم وموعد انطلاق الفعاليات أشهر طويلة تتخللها كثير من الأعياد والعطل الرسمية، وكثير من الانقطاعات وإذا أجملناها بحسبة بسيطة فإن المتبقي من الأيام يحتاج إلى مضاعفة الجهد لتكون دمشق عاصمة ثقافية باستحقاق تاريخي كونها بقيت حية وفاعلة منذ أزل التاريخ.
حسين درويش
المصدر: البيان
إضافة تعليق جديد