إلى متى يحتمل الاقتصاد الإسرائيلي حرباً طويلة؟
ابراهيم علوش:
كثيراً ما يتباهى الصهاينة وداعموهم بـ”معجزة الاقتصاد الإسرائيلي” المستندة إلى اقتصاد المعرفة والصناعات المتقدمة في كيان حديث السن نسبياً، أسّس بالقوة الغاشمة على بقعة جغرافية محتلة صغيرة المساحة وشحيحة الموارد الطبيعية بلغ ناتجها المحلي الإجمالي أكثر من 522 مليار دولار عام 2022، وبات متوقعاً الآن أن ينكمش قليلاً في عام 2023، ليبقى في الحالتين أكبر من اقتصاد كلّ من الإمارات ومصر.
يقفز المروجون لتلك “المعجزة” المزعومة، والمأخوذون بها، من فوق العوامل الخارجية التي خلقتها ورعتها وحمتها، ومنها:
أ – ضخ الغرب الجماعي مئات مليارات الدولارات في نفخ تلك “المعجزة”، من “التعويضات” الألمانية إلى المساعدات الأميركية.
ب – رؤوس الأموال والخبرات التي جلبها المستعمرون المستوطنون معهم من أوروبا إلى فلسطين المحتلة، ففي التسعينيات مثلاً استقطبوا نحو مليون “مهاجر” من الاتحاد السوفياتي المتفكك، كانوا بمعظمهم من حملة الشهادات العليا وأصحاب الخبرات المتقدمة.
ج – فتح الاقتصادات الغربية وتلك التابعة للغرب على مصراعيها للتبادل مع الاقتصاد الصهيوني، والدور الفاعل للحركة الصهيونية العالمية في زيادة قنوات ذلك التبادل وتعميقها وتوسيعها، والتبرعات التي طالما جمعتها لدعم الكيان الصهيوني، اقتصاداً و”جيشاً” ومؤسسات.
د – موسم هجرة الشركات الأميركية الكبرى في مجال المعلوماتية والتكنولوجيا المتقدمة إلى الكيان الصهيوني في التسعينيات، على خلفية “انفراجة” الاتفاقيات والمعاهدات وموجة التطبيع مع العدو الصهيوني آنذاك.
هـ -التأشيرة السياسية التي قدمتها اتفاقية أوسلو عام 1993، والتفاوض بين م.ت.ف والكيان الصهيوني قبل ذلك وبعده، لدولٍ لم تكن تقيم علاقات مع العدو الصهيوني سابقاً، الأمر الذي أتاح له أن يمدّ جسوراً متينة في الاقتصادات الصاعدة دولياً، مثل الصين والهند وعبر آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
بقيت معضلة الاقتصاد الصهيوني، بعد ذلك كله، أن الطاقة الكامنة الكبيرة التي يختزنها في “قمقمه” الجغرافي-السياسي ظلت محتجزةً وغير قابلة للتحول إلى “فعلٍ” أو مدٍ جارفٍ، اقتصادياً ومالياً، ما دام الوطن العربي والعالم الإسلامي رافضاً للتطبيع مع العدو الصهيوني.
من هنا، تنبع خطورة الاتفاقيات والمعاهدات مع الكيان الصهيوني، وأي عملية تطبيع معه عربياً وإسلامياً، لأنها ستتيح للاقتصاد الإسرائيلي أن يتنفس وينمو ويتعملق. ولا بد من أن نشير في هذا السياق إلى الاختراقات المحورية الآتية:
أ – العلاقات التجارية والاستثمارية مع تركيا، والتي تصاعدت في ظل حكم حزب “العدالة والتنمية” إلى مستويات غير مسبوقة منذ توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين عام 1996.
ب – اتفاقيات باريس (1995) مع السلطة الفلسطينية، والتي طوبت الضفة الغربية وغزة مستعمرةً اقتصاديةً صهيونيةً خالصة.
ج – اتفاقيات الغاز العربي الفلسطيني المسروق مع كلٍ من النظامين في الأردن ومصر، الأمر الذي رهن أمن الكهرباء، في كلٍ منهما، للمزود الصهيوني.
د – موجة الاتفاقيات “الإبراهيمية” عام 2020، التي عززت التبادل مع الإمارات والمغرب بالذات، ولا سيما الإمارات، “النجم الصاعد” في سماوات التطبيع، بما يرشحها للحلول محل تركيا من حيث حجم التبادل مع العدو الصهيوني تجارياً واستثمارياً، خصوصاً بعد دخول “اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة” بين الإمارات و”إسرائيل” حيز التنفيذ في 1/4/2023، بما يرجح ارتفاع حجم التجارة بينهما من 2 إلى 10 مليارات دولار سنوياً، يقول مراقبون، في غضون 5 سنوات.
ليس التطبيع الأصغر حجماً أقل خطورةً
يمثل ما سبق بعض أهم محاور التطبيع مع العدو الصهيوني اقتصادياً، ولا يغطي كل أشكاله، كما أنه لا يقلل من خطورة التطبيع الأقل حجماً من منظور استراتيجي.
على سبيل المثال، يزعم الصهاينة أنهم طوروا زراعة القطن في فلسطين المحتلة، لكنني وجدت صورة لنسوة فلسطينيات من قرية كفر سابا يحصدن القطن عام 1937، كما وجدت جداول في مراجع غربية لكميات تصدير القطن الخام من فلسطين وبلاد الشام عموماً إلى أوروبا منذ مئات الأعوام.
ما يهمنا هنا أن الكيان الصهيوني عمل على تأسيس صناعة نسيج كبيرة حاكت مع نهاية الستينيات ثاني أهم عوائد الصادرات الإسرائيلية بعد الماس المصقول. لكنْ، في التسعينيات، صارت شركات النسيج الإسرائيلية مكشوفةً أمام المنافسة الشرق آسيوية، وبدأ الستار يسدل عليها تباعاً، فجاءت اتفاقيات “المناطق الصناعية المؤهلة” QIZ’s مع الأردن، ومن ثم مصر، والتي تتيح التصدير من الأردن ومصر إلى الولايات المتحدة الأميركية من دون جمارك ما دامت تحتوي مكوناً إسرائيلياً، كي تستر قطاع النسيج الإسرائيلي بالذات من خطر المنافسة الآسيوية.
زرع الكيان الصهيوني 85 ألف دونم بالقطن عام 2022، بحسب وزارة زراعته، صدّر أغلبه إلى الصين والهند.
أما تجارة الماس الإسرائيلية فرَصَّعت أقل بقليل من 12 مليار دولار من الصادرات، أو 16% من إجمالي عائدات الصادرات السلعية للكيان الصهيوني، من أصل 125 مليار دولار هي مجموع صادرات الماس عالمياً عام 2022. ويذكر أن منطقة “رَمات غان” في “تل أبيب” تعد أحد أهم أقطاب تجارة الماس عالمياً، وبناءً عليه، باتت هدفاً برّاقاً للصواريخ الغزاوية الأسبوع الفائت.
تقلصت مؤخراً نسبة صادرات “إسرائيل” من الماس عالمياً؛ نتيجة انتقال بعض شركات الماس الإسرائيلية إلى الإمارات، كمرفأ لتجارة الماس مع الهند وهونغ كونغ وغيرهما، بعد أن أصبحت موطئ قدمٍ لإحدى أهم روافع نفوذ الحركة الصهيونية العالمية، وملجأً آمناً لشركات الماس الإسرائيلية، ومحطة رئيسة لتجارتها، إذ يشير موقع “سوليتير إنترناشونال”، المتخصص في تغطية تجارة الماس، في 31/8/2023، إلى أن 27% من واردات الماس غير المصقول إلى “إسرائيل” ومنها بات يجري عبر الإمارات.
وكالة فارس
إضافة تعليق جديد