الجولاني يستبق فوز أردوغان باختراق في شمال حلب
عبد الله سليمان علي:
يواظب زعيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) أبو محمد الجولاني، على ترتيب أوراقه، بالتزامن مع توقّعه الذي تحقق (الأحد) بأن تفضي نتيجة الانتخابات التركية إلى فوز رجب طيب أردوغان بولاية جديدة لمدة خمس سنوات.
وقبل يوم واحد من إجراء الانتخابات فاجأ الجولاني فعاليات ثورية من مختلف الأطياف كانت قد تنادت الى عقد مؤتمر لقوى أهليّة وثورية حلبيّة في منطقة معبر باب الهوى، بحضوره شخصياً إلى قاعة المؤتمر، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً وانتقادات كثيرة؛ لكنه في الوقت عينه خلّف تساؤلات عديدة عن دلالات حرص الجولاني على حضور فعاليات مؤتمر من بين حضوره معارضون أشدّاء لدور “هيئة تحرير الشام” وتوجهاتها، وذلك في وقت حساس يمر به الملف السوري بعد الانفتاح العربي الواسع على دمشق.
وكان من الواضح أن “المؤتمر الثوري لأهالي حلب الشهباء” الذي عقد يوم السبت في منطقة معبر الهوى الحدودية مع تركيا، في ريف إدلب، يتبنّى توجهات تكاد تكون متطابقة مع التوجهات التي أعلنتها “هيئة تحرير الشام” منذ بدء مسار التقارب بين سوريا وكلٍّ من تركيا والدول العربية، إذ كان العنوان الأساسي للمؤتمر هو أن “السلاح خيار الثورة الأول لإسقاط النظام” وهو ما كان الجولاني أعلنه الشهر الماضي عندما اعتبر أنه “لا حل في سوريا إلا الحل العسكري”.
ورغم أن منطلقات المجتمعين في المؤتمر الثوري قد تكون مختلفة عن تلك التي يعتمدها الجولاني لإقرار الحل العسكري كخيار استراتيجي وحيد لمواجهة التطورات الجديدة في الملف السوري، فإن التطابق في النتيجة قد يكون دفع بعض منظّمي المؤتمر إلى مدّ يدهم الى الجولاني باعتباره أصبح القوة العسكرية الوحيدة التي يمكن أن تتبنى خيارهم المشترك المتمثل باستخدام السلاح لتحقيق أهداف “الثورة السورية”.
وثمّة اعتقاد واسع مفاده أن الجولاني لم يتلق دعوة رسمية الى حضور المؤتمر فحسب، بل هناك من يتحدث عن ضلوع “هيئة تحرير الشام” في تنظيم المؤتمر من خلف الستار مستغلّة بعض القوى “الثورية” و”الأهلية” التي بدأ يطغى عليها التشاؤم وهي ترى التحولات الجذرية في مشهد العلاقات العربية مع سوريا، وتتخوف كذلك من الاحتمالات التي ينطوي عليها مسار التقارب التركي مع دمشق.
وتتوخى القوى الثورية والأهلية من المؤتمر أن توجه رسالة إلى تركيا بشكل خاص حول عدم رضاها عن انعطافة أنقرة في سياساتها، وأنه في المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية في الشمال السوري توجد قوى سياسية لا تقبل بالتسوية مع دمشق، وهو ما جعلها ترفع راية الحل العسكري وتنادي بتوحيد القوى الرافضة للمسار التركي الجديد باعتبار ذلك سيشكل ضغطاً ما على السياسة التركية.
أما الجولاني الذي حاول في خريف العام الماضي أن يحدث تغييراً جذرياً في خريطة السيطرة في ريف حلب الشمالي المتعارف عليه إعلامياً باسم “درع الفرات وغصن الزيتون”، من خلال سيطرته بشكل مباشر على مدينة عفرين، قبل أن يضطر إلى استخدام قناع الفصائل المتحالفة معه بعد تعاظم الضغط التركي والدولي ضده جراء مغامرته غير المحسوبة؛ فيبدو أنه رأى في المؤتمر فرصة سانحة من أجل احتواء الضغوط الممارسة عليه والعمل من ثمّ على تنفيذ هدفه المتمثل في السيطرة على ريف حلب الشمالي ولكن عبر أدوات جديدة ليس فيها استخدام سلاح بشكل مباشر بل يقتصر العمل فيها على أدوات من قبيل: الاستقطاب وشراء الولاءات وتحقيق اختراقات في صفوف القوى الثورية التي وجدت نفسها حائرة بين معارضة الجولاني وبين ضرورة التقارب معه ولو مرحلياً في محاولة يائسة لإفراغ مسارات التطبيع مع سوريا من محتواها السياسي وعرقلة أهدافها.
وحضر المؤتمر الناشط السياسي المعارض محمد أبو النصر الذي طرح نفسه في السنوات الماضية باعتباره من ألد خصوم الجولاني وكان له نشاط واسع على موقع التواصل الاجتماعي “تلغرام” في انتقاد “هيئة تحرير الشام” بلهجة قاسية. وأدلى أبو النصر بخطاب في المؤتمر برر فيه بعبارات مراوغة انتقاله من ضفة المعارضة للجولاني إلى التحالف معه معتبراً أن “الخطر في المرحلة القادمة لن يستثني أحداً” وأن الحل الوحيد هو “في توحّد جميع القوى ونبذ الخلافات البينية”.
وأثار المؤتمر جراء مشاركة الجولاني فيه جدلاً واسعاً اضطر بعض المشاركين إلى الاعتذار أو التبرير بذرائع واهية من قبيل أنهم لم يكونوا على علم بحضور الجولاني، رغم أن بعضهم أقرّ بأن حضوره كان متوقّعاً. حتى أن الهيئة الثورية في حلب اعتبرت في بيان مشاركة رئيسها محمد زلخة “خطأً شخصياً يتحمل نتيجته فردياً”، مؤكدة أنها “لا تحضر أي مؤتمر مشبوه تحت وصاية الجولاني”.
ومع ذلك، يبدو أن الجولاني الذي تمكن العام الماضي من تحقيق اختراقات واسعة في صفوف الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، ما مكّنه عملياً من التحالف معها والاعتماد عليها لتكون رأس حربة لتحقيق هدفه المتمثل في السيطرة على مدينة عفرين، قد تمكن حالياً من تحقيق “اختراق ثوري” في صفوف القوى الثورية والأهلية، وذلك في محاولة واضحة للتغزل بالحاضنة الشعبية في المنطقة والعمل على استقطابها بعيداً عما تعمل السياسة التركية على فرضه كأمر واقع.
ولا يعني ذلك أن الجولاني قرر التصادم مع السياسة التركية أو يحاول العمل على مواجهتها وعرقلة أهدافها، بل تتمثل غايته الحقيقية في العمل على فرض نفسه قوة وحيدة ولاعب رئيسي لا يمكن تجاهله أو تقديمه قرباناً على مذبح التفاهمات ومسارات التطبيع، غير أن ذلك يتطلب منه في نهاية المطاف أن يستخدم أوراق قوة في حوزته للضغط على الجانب التركي، ومن أهم هذه الأوراق التي ستجنبه مصير التضحية به هو إيجاد موطئ قدم له في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون.
النهار العربي
إضافة تعليق جديد