معلومات عن كتاب الفتاوى الكبرى لابن تيمية
د.سامح عسكر:
أولا: الكتاب تم البدء في طباعته (لأول مرة) سنة 1960 وظهرت النسخة الأولى له سنة 1970 في المملكة العربية السعودية، فلم يظهر هذا الكتاب سوى على يد الملك سعود وأخيه الملك فيصل..ومنذ منتصف السبعينات بدء نشره لكافة أنحاء العالم الإسلامي
ثانيا: جهود جمع الكتاب ظهرت لأول مرة سنة 1922 تقريبا على يد الشيخ "عبدالرحمن بن قاسم العاصمي" وهو شيخ وهابي في نجد سافر عدة دول لجمع مخطوطات (متفرقة) منسوبة لابن تيمية فيها فتاويه المشهورة والمغمورة
ثالثا: الكتاب الأصلي ضخم جدا يقع في 35 جزء وتمت طباعته باسم (مجموع الفتاوى) لكن طبع باسم آخر تحت عنوان (الفتاوى الكبرى) في 6 أجزاء فقط...والذي أحدث هذا الارتباك أن الكتاب جرت طباعته على مراحل بدأت سنة 1908 على يد الشيخ "فرج الله زكي الكوردي" بمكتبة كوردستان في القاهرة باسم مجموع الفتاوى في 6 أجزاء عليها شكوك كبيرة في نسب هذه الفتاوى لابن تيمية من جهة التوثيق، وحين قام الشيخ العاصمي لاحقا بجمع بقية الموسوعة ليضيف إليها 29 جزء أبقي على العنوان القديم، وطبعت السعودية محتوى الشيخ الكوردي باسم الفتاوى الكبرى، ونشرت موسوعة الشيخ العاصمي باسم مجموع الفتاوى..
رابعا: حين تقرأ لأي شيخ أو مثقف قبل عام 1970 وهو يستدل أو يعرض فتوى لابن تيمية فهو يقصد المطبوعة في القاهرة 6 أجزاء بداية القرن 20م ولا يعلم شئ عن بقية الموسوعة التي جمعها الشيخ العاصمي وهي عبارة عن 29 جزء ، فليس كل من تكلم في ابن تيمية قبل عام 1970 يعلم ما نعلمه الآن عن الرجل..وهذا يطرح شكوك كبيرة في الصورة (الذهنية) المنشورة عن ابن تيمية في القرنين 19، 20 عصر النهضة الفكرية الذي لم نشهد فيه انتقادات لابن تيمية سوى من طرف الشيعة..
خامسا: الشيخ "فرج الله الكوردي" الذي طبع لابن تيمية طبع كتب ابن قيم الجوزية وأبي حامد الغزالي أيضا نفس الفترة، لكنه ترك الإسلام لاحقا ليعتنق الدين البهائي، وهذا حمل بعض المتعصبين الشيعة لاتهام البهائيين بالمؤامرة على الإسلام لجمعهم ونشرهم هذا الكتاب..برغم أن الشيخ الكوردي حين نشر لابن تيمية لم يكن ترك الإسلام بعد، ولا زال هذا الاتهام للبهائيين شائعا في العراق وإيران..
سادسا: الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار اتهم الشيخ فرج الله الكوردي بحذف بعض فتاوى ابن تيمية بأن الرسول هو خاتم الأنبياء بعدما تحول للديانة البهائية..لأن المعتقد البهائي يؤمن باستمرار النبوة..وهو الذي دفع الشيخ بالشك في مصدر معلومات الكوردي عن بقية كتابه عن ابن تيمية، ويفتح الباب لاتهام الشيخ الكوردي بالنصب والاحتيال وأن فتاوى ابن تيمية التي جمعها مزيفة ومؤلفها مجهول إذا لم يكن الشيخ الكوردي نفسه أو أحد يعرفه. (مجلة المنار 15/ 20)
سابعا: بعد نشر فتاوى ابن تيمية بشكل واسع منذ السبعينات انتشر التطرف الديني ودخل معظم بيوت المسلمين والعرب، فلجأ بعض الشيوخ الموالين للسلطات إلى حيلة وهي ربط فتاوى ابن تيمية (بالزمن الذي عاش فيه) والتمسوا له العذر أنه كان عنيفا ودمويا بهذا الشكل، لكن هذا التبرير لم يكن مقنعا للجهاديين الذين أصروا على تطبيق فتاويه حرفيا بدعوى أنها منهج السلف وصحيح الدين، ولو لم تكن دعاية الدولة بتقديس ابن تيمية هذه الفترة بالمسلسلات والأفلام والدراما إضافة لطبع ونشر كتبه بأسعار زهيدة والحرص على عدم ذكره سوى بلقب (شيخ الإسلام) لاقتنع الجهاديين بالعذر والمبرر صار منطقيا..لأن الراسخ في الفقه أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان..
ثامنا: تبرير الشيوخ أن تطرف ابن تيمية مرتبط بزمانه ليس مقنعا أيضا لأن كافة شيوخ زمانه لم يتطرفوا بهذا الشكل ولم يكونوا دمويين ومتهورين مثلما رأينا في مجموع الفتاوى..
لكن هل هذا يعني عدم نسب كتاب الفتاوى لابن تيمية..؟
غير صحيح..بل هو كتابه لحين يظهر مؤلفه الأصلي بشكل قاطع ومؤكد، ويكف السلفيون عن طبعه ونشره ، أو عدم الإيمان بمحتواه
لذلك فدعاوى بعض المثقفين بالتشكيك في نسبة هذا الكتاب لابن تيمية والاكتفاء بذلك هو (جهل) لأن ملايين المسلمين يعتقدون أن هذا الكتاب لابن تيمية ويمثل صحيح الدين فعلا، وجهودهم بالتشكيك سوف تحصل على مصير الدعوات في الشك بنسب القرآن للرسول أو أنه من تأليف فرقة النصارى الأبيونيين مثلما يقول بذلك بعض المستشرقين..
فلا فائدة من التشكيك في نسب الكتاب لابن تيمية، والواقع العملي يفرض تناول هذا الكتاب كما هو، فمحتواه شديد الإجرام والدموية..ومحاولات لفت الانتباه عن حقيقة ذلك المحتوى الدموي (عبثية) وتضيع جهود آلاف المثقفين في نقد الكتاب ومؤلفه المشهور بمواقفه العدوانية والطائفية بكتب التاريخ ومصنفاته الأخرى كمنهاج السنة واقتضاء الصراط المستقيم والسياسة الشرعية..وغيرها، فنحن لا نتحدث في الأخير عن ملاك أو فيلسوف تم ظلمه ونسب كلام دموي مزيف له، بل نتحدث عن فقيه حنبلي مشهور بالتطرف والمسارعة في التكفير والعدوانية بشهادات علماء عصره والذين جاءوا بعد منه..
إضافة تعليق جديد