التلوث النفطي يهدد بحيرة الباسل بالحسكة
ثمة وقائع جديدة حول التلوث النفطي الذي يهدد بحيرة سد الباسل في الحسكة جعلتنا نعود للحديث من جديد عن هذا التلوث الذي يهدد الصحة العامة والمياه الجوفية والمحاصيل الزراعية واذا كنا في التحقيق الذي نشرناه منذ ثلاثة أشهر قد أوضحنا بالوثائق حقيقة وجود التلوث النفطي وحددنا حجم المشكلة وأشرنا إلى الرؤية غير الموحدة ووجهات النظر المتباينة بين الجهات المختلفة ولاسيما بين اصحاب الشأن في وزارة النفط وبين المعنيين بشؤون البيئة والدفاع عنها وحمايتها.
فإننا اليوم نتابع الوقائع الجديدة التي تبين بوضوح كيف تعاملت الجهات المعنية مع هذه المشكلة المزمنة لاسيما وأن وزارة النفط قد أعلمتنا عن طريق السيد الدكتور المهندس محمد رياض زرقا مدير الدراسات العلمية والبيئية في الوزارة بعد نشر التحقيق الصحفي في الثورة أنه بعد أخذ عينات مائية من عدة مواقع تبين عدم وجود أي علاقة بين مياه نبع طابان وحقل تشرين وبالتالي ليس هناك أي تسرب جوفي للمياه الطبقية من حقل تشرين باتجاه نبع طابان.
وفي التفاصيل ومن خلال ما أفادت به الشركات التابعة للوزارة والمعنية بالموضوع فقد سلمت ثلاث نسخ متماثلة من العينات المائية إلى مخابر الشركة السورية للنفط ومخابر الهيئة العامة للطاقة الذرية وكذلك المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا وقد أشارت نتائج هذه التحاليل وبشكل واضح إلى وجود اختلاف كبير بين العينة المأخوذة من المياه الطبقية لحقل تشرين وباقي العينات.
أما حول علاقة شركة دبلن بالموضوع فقد وقعت الشركة الاتفاقية السورية للنفط مع شركة دبلن انترناشيونال بتروليوم ( سيريا) للمشاركة بالانتاج في حقول عودة - تشرين - الشيخ منصور نتيجة الدراسات التي أجريت من قبل شركة الاستشاريين (للتنمية المستدامة) بدمشق تبين وجود عدة ملاحظات بيئية يتعلق معظمها بأعمال نفطية قامت بها الشركة السورية للنفط سابقا في الحقول المذكورة وقد أبدت شركة دبلن استعدادها لمعالجة كافة النقاط التي تتطلب إجراءات فورية لتحسين الوضع البيئي العام وبالفعل فقد بدأت الشركة بتطبيق ممارسات نسبة الصفر من المخلفات والانبعاثات في كافة الحقول التي تعمل بها كما تؤكد ذلك الشركات التابعة لوزارة النفط.
وفي هذا السياق يؤكد السيد محمود العرق المستشار التنفيذي مدير العلاقات الحكومية في شركة دبلن أن نتائج التحليل التي أجريت دلت على وجود تلوث نفطي واضح في مناطق كثيرة ويعود ذلك إلى انفلات النفط والمياه المرافقة نتيجة اعطال في رؤوس الآبار والأنابيب أو أثناء عملية الصيانة وقد لوحظت أيضا تسريبات نفطية لأماكن تحت سطحية تتمثل بالتكهفات التي تحتويها صخور المنطقة ذات الطبيعة الجصية ودلت نتائج تحليل مياه بحيرة طابان ومن ثم بحيرة الأسد على وجود تلوث عضوي واضح نتيجة تسرب النفط عبر كهوف ارضية من حقول تشرين الغربية إلى نبع طابان ومن ثم إلى بحيرة الأسد ولذلك وضعت شركة دبلن ضمن خطتها هدفا رئيسيا يتضمن تنظيف المنطقة وحمايتها على المدى البعيد ومنع أي تسربات نفطية يمكن أن تؤدي إلى تلويث المنطقة مستقبلا وتشير الدراسة البيئية لحقول شركة دبلن إلى أن التلوث موجود منذ أكثر من عشر سنوات عندما كانت المنطقة نفسها تستثمر من قبل الشركة السورية للنفط إلا أنه لم تتخذ أي اجراءات ولذلك فإن كامل المسؤولية تقع على الشركة السورية للنفط في حين بدأت شركة دبلن ببعض الاجراءات التي خلصت اليها الدراسة البيئية وهي آنية ومتوسطة المدى وطويلة المدى بدءا من وقف كافة التسربات من رؤوس الآبار القديمة المستلمة من الشركة السورية للنفط ثم اصلاح كافة الخطوط الممددة عشوائيا عى سطح الأرض والمعرضة للكسر وصولا إلى تسوير الحقول وإزالة اثار التلوث .
وفي هذا السياق يؤكد السيد محمود العرق أن هناك تعاونا وثيقا بين شركة دبلن والشركة السورية للنفط إلا أن ذلك كما يقول لا ينبغي وجود بعض نقاط الخلاف التي يمكن أن تحصل ويتمنى على الشركة السورية للنفط سرعة اتخاذ القرارات والقضاء على الروتين وأن تكون المعاملات سريعة والاستجابة فورية.
ونذهب الآن إلى وزارة النفط لنسأل عن الدكتور المهندس محمد رياض زرقا مدير الدراسات العلمية والبيئية في الوزارة الذي زودنا في وقت سابق كما أشرنا في البداية ببعض المعلومات والوثائق حول ما تم اتخاذه من اجراءات اضافة إلى تصويب بعض الأمور والوقائع المتعلقة بحكاية التلوث النفطي, وقد رغب الدكتور زرقا أن يؤكد لنا في البداية أن وزارة النفط تضع على رأس أولوياتها المواضيع المتعلقة بالبيئة حيث تلتزم بالانظمة والقوانين السورية والعالمية في هذا المجال وهي تعتمد في استخراج النفط ومعالجته وتصديره على المعايير الدولية للتخلص الآمن من المخلفات النفطية.
أوضح بأن وزارة النفط وبالتعاون مع الجهات المعنية مثل الإدارة المحلية والبيئة والمحافظات التي يتواجد فيها نشاط نفطي من اجل حماية البيئة من التلوث والحفاظ على التنوع الحيوي وتطبيق السياسات المعتمدة في هذا المجال فقد قامت وزارة النفط بإبرام عدة عقود مع شركات عالمية من خلال الشركة السورية للنفط لإجراء عمليات استكشاف وانتاج النفط والغاز وتطوير الحقول القائمة, وقد تم بموجبها تشكيل شركات مشتركة مثل (شركة الفرات للنفط- دير الزور للنفط- حيان وكوكب) اضافة الى شركات أخرى تقوم بعمليات تطوير الحقول القائمة مثل شركة دبلن للنفط التي تقوم بتطوير حقول تشرين وعودة والشيخ منصور.
وطلبنا من الدكتور زرقا أن يعود بنا الى أصل الحكاية كي لا تتسع المسافة بيننا وبين حكايتنا الأساسية التلوث النفطي?.
قال: في كل العقود المبرمة مع هذه الشركات هناك بند خاص يتعلق بالحماية من التلوث النفطي والحفاظ على سلامة البيئة وفق أحدث المعايير والتقانات الحديثة اضافة الى الاهتمام بالجانب الاجتماعي والثقافي والوعي البيئي.. ومن هنا يمكن القول حول ما أثير بشأن مسؤولية شركة دبلن عن التلوث النفطي في حقول تشرين ونبع طابان وبحيرة الباسل بالحسكة فلا بد من التوضيح أن الشركة السورية للنفط كانت تدير وتستثمر حقل تشرين من خلال مديرية حقول جبسة حيث قامت الشركة السورية للنفط حينها بعدة اجراءات لمعالجة التلوث النفطي الذي كان موجودا منذ بدء استثمار الحقل في الثمانينيات, وعندما تم توقيع عقد تطوير حقل تشرين مع شركة دبلن ثم الاتفاق بين الشركة السورية للنفط وشركة دبلن على متابعة اجراءات الحد من التلوث النفطي وتم وضع خطة متكاملة لهذه الغاية بعد عدة جولات حقلية.. وقد قامت شركة دبلن مؤخرا بالتعاقد مع جهة استشارية لوضع دراسة متكاملة للتخلص من المخلفات النفطية مع الاشارة هنا إلى أن مشكلة التلوث في المناطق المذكورة قديمة وتعود الى نهاية التسعينيات أي قبل أن توقع شركة دبلن عقد التطوير في هذه الحقول.
السيد وزير النفط طلب من مدير الدراسات العلمية متابعة الموضوع الذي أثارته الثورة والاهتمام به شخصيا مع الاشارة هنا الى أن مدير الدراسات قد خاطب السيد الوزير في الكتاب رقم 385/ك تاريخ 29/3/2007 مشيرا الى تشكيل مجموعة عمل قامت بالكشف الميداني وتقدمت بمقترحات لمعالجة الموضوع بالتنسيق مع شركة دبلن وكذلك تمت مخاطبة وزارة الإدارة المحلية والبيئة ووزارة الري ومحافظة الحسكة باعتبار أن هذا التلوث لا يقتصر على مخلفات النفط فقط بل هناك عناصر ثقيلة من مخلفات الصرف الصحي والصناعي.
وكان السيد وزير النفط قد شرح في كتاب رسمي وجهه للسيد وزير الادارة المحلية الوقائع الفعلية موضحا وجود آثار نفطية على كهوف الانحلال الممتدة من حقل غرب تشرين وصولا الى نبع طابان ومن ثم الى البحيرة وأن جور معظم آبار حقل نفط تشرين تحوي نفطا ومياها طبقية مشيرا في نفس الكتاب الى وجود تلوث بالمياه الطبقية وآثار النفط في المنطقة المحيطة ببئر حقن المياه في غرب تشرين حيث تظهر هذه الآثار على السطح في الوديان القريبة وتمتد لمئات الأمتار.
ولعلنا في نهاية الأمر نخلص الى نتيجة تبدو أكثر أهمية من تبادل المسؤوليات وهي أن تتوفر الحلول الاستراتيجية لمشكلة التلوث النفطي وإن كانت هذه المشكلة مزمنة وقد ورثتها الشركة السورية للنفط للشركات التي جاءت لتطوير بعض الحقول مع الاشارة هنا الى الدراسة العلمية الطموحة التي أطلعنا عليها والتي بدأت شركة دبلن بتنفيذها سواء الاجراءات الفورية منها أو متوسطة أو طويلة المدى.
يونس خلف
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد