وزير سوري يروي ماذا قال حسني مبارك عن حرب الصين و امريكا
كتب الدكتور بشير المنجد وزير الاتصالات الاسبق : كلما قرأت عن اشتداد التوتر بين الصين والولايات المتحدة، تستحضر ذاكرتي قصة جرت عام 2004. فخلال مأدبة تكريمية للرئيس المصري السابق حسني مبارك في زيارته الخاطفة لسورية ذلك العام، والتي اقتصر حضورها على عدد قليل من المدعوين كنت أحدهم، روى الرئيس مبارك قصة قصيرة عن حوار جرى بينه وبين الرئيس الصيني خلال زيارته للصين التي قام بها قبل فترة قصيرة، والتي تزامنت حينها بتهديدات أميركية حادة للصين محورها حقوق الملكية للبرمجيات (software copyright). حيث كانت الولايات المتحدة تتهم الصين بانتهاك حقوق الملكية للبرمجيات الأمريكية وتهددها بالمقاطعة الاقتصادية. وذكر الرئيس مبارك أنه سأل الرئيس الصيني حين كانا يزوران معا سور الصين “ألا تخشى الصين هذه التهديدات
وتأثيرها على الاقتصاد الصيني” فكان جواب الرئيس الصيني:
“هل تعلم يا سيدي الرئيس أن القميص الذي تبيعه الشركات الأمريكية لزبائنها عبر العالم بعشرين أو ثلاثين دولار (في حينه) يصنع في الصين وتشتريه هذه الشركات من المصنع الصيني بدولارين فقط.
فالمستفيد الأكبر من الصناعة الصينية هي الشركات الأمريكية التي تجني أرباحا طائلة من التصنيع في الصين. فلو حاولت الولايات المتحدة مقاطعة الصين اقتصاديا فإننا سنطرح في الأسواق العالمية المنتجات المصنعة بأسعار تصنيعها الحقيقية في الصين. وسيكون الخاسر الأكبر اقتصاديا هو الولايات المتحدة وليس الصين.”
يبين هذا الحوار عمق ترابط العلاقة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة والتي تمتد أيضا إلى معظم الدول الغربية، فمن الخطأ التفكير بأن هناك عداء حقيقي بين البلدين وأن التوتر بينهما مستفحل. بل إن التوتر الذي يظهر بين حين وآخر ما هو إلا جزء من لعبة التفاوض على المصالح المتعارضة. ومع ذلك، لا شك أن هناك تنافس بين البلدين يزداد حدة كلما ازدادت القوة الاقتصادية والتقدم العلمي للصين.
نعم هناك نموذجان مختلفان للحكم والاقتصاد في البلدين، ولكن هذين النموذجين تمكنا من إيجاد أرضية تعاون لمصلحة كل منهما على الرغم من هذا الاختلاف. فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين عام 2021 حوالي 657 مليار دولار أمريكي منها 506 مليار صادرات الصين للولايات المتحدة و151 مليار صادرات الولايات المتحدة للصين.
وتشتري الولايات المتحدة من الصين الهواتف الذكية والمعدات الخاصة وأجهزة الكمبيوتر وبطاريات الليثيوم أيون والمنتجات البلاستيكية والكاميرات الأمنية والأجهزة المنزلية والأحذية ولعب الأطفال. فالأسواق الأمريكية زاخرة بالبضائع الصينية التي تباع بأسعار اضعاف مضاعفة عن سعر شرائها من الصين.
وبذلك تحقق الشركات الامريكية أرباح طائلة من التصنيع في الصين. فالهاتف الذكي الذي يحمل علامة تجارية أمريكية “مثل أبل” والذي يباع ربما بأكثر من 1000 دولار في الولايات المتحدة لا يتجاوز كلفة تصنيعه في الصين 100 دولار. وقد لا يكون كامل الفرق هو ربح صاف للشركة بسبب أن هناك كلف لا يستهان بها للتطوير والبحث العلمي. مما دعا شركة أبل لنقل كامل صناعتها إلى الصين واكتفت بالتصميم والتطوير في الولايات المتحدة.
لا ارغب أبداً أن ألعب دور المحلل الاقتصادي أو الاستراتيجي كما يحلو للبعض، وإنما أحاول استعراض بعض الخواطر. إن تملك الصين تدريجيا لناصية العلم والتكنولوجيا، واحتلالها اقتصاديا المرتبة الثانية عالميا، وقيامها بتطوير منتجاتها الخاصة (كما حصل في حالة شركة هاواوي والجيل الخامس) لا بد أن يزيد من التنافس بينها وبين الولايات المتحدة ولا بد من أن يغير ذلك قواعد اللعبة الحالية بينهما، وسيدفعهما لإيجاد أرضية تفاهم جديدة.
فما هي يا ترى هذه الأرضية؟
إضافة تعليق جديد