أموال مكدسة في مصارف الدولة وحلول مقترحة لإستثمارها
في نهاية العام الماضي 2020 بلغ حجم السيولة الفائضة لدى القطاع المصرفي في سوريا نحو 3 تريليون ليرة سورية إلا أن حجم المبلغ يعطي القارئ غير المختص انطباعاً معكوساً عن الحقيقة، حيث يعتبر وجود مبالغ كهذه لا يستفيد منها الاقتصاد السوري (الذي يحتاج بشدة للمزيد من الاستثمارات الحقيقية من أجل الإنتاج) هو مشكلة كبيرة، بحاجة لحلول مدروسة تؤدي إلى استثمار هذه المبالغ بالشكل الأمثل بدلاً من تكديسها.
استراتيحية
وفي هذا الصدد، ترى وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي أن عدم وجود إستراتيجية شاملة وسياسة اقتصادية لمعالجة جوانب مختلفة من المسألة الاقتصادية بشكل متكامل، هو أحد أهم أسباب تراكم السيولة النقدية في المصارف.
الحاجة للتسهيلات
وتضيف عاصي في حديثها مسبباً آخر وهو عدم تقديم الحكومة تسهيلات حقيقية لدعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، بما يتعلق بإجراءات التأسيس والتمويل وخضوعها للضرائب والرسوم.
مخاوف
وتؤكد عاصي أنه ليس من مهام البنوك أو مسؤولياتها، توفير برامج تنموية خاصة باستثمار هذه الأموال على شكل قروض لمشاريع أو شركات صغيرة أو متناهية الصغر، مرجعة السبب للظروف الكثيرة المحيطة بهذه المشاريع والتي تجعلها عالية الخطورة، وكذلك بسبب عدم كفاية الضمانات المقدمة للحصول على القرض، لأن مخاطر الائتمان إذا تفاقمت وكبرت، فقد تودي بالبنك نفسه.
استثمار
وترى عاصي أن استثمار السيولة الفائضة وخصوصاً في المصارف العامة، يعتبر من مهام المؤسسات الاقتصادية الحكومية في سورية، كما أنه مرتبط بشكل وثيق برؤيتها ومقاربتها لعملية النهوض الاقتصادي.
تشجيع المشاريع
وتضيف عاصي: تهدف السياسات الاقتصادية الحكومية لرفع كفاءة استثمار الموارد المادية والبشرية للبلد، وبالتالي تقوم بتشجيع المشاريع أو الشركات الناشئة، عبر مجموعة كبيرة من السياسات والقوانين، أهمها توفير التمويل لهذه المشاريع عبر تقديم الضمانات وبرامج دعم الفوائد، وتحمّل المخاطر الناجمة عن ذلك الإقراض.
تحريك الاموال
ومن جهته، يرى الدكتور أيهم أسد مدير الأبحاث في المعهد الوطني للإدارة العامة أنه من أجل العمل على تحريك هذه الأموال، من خلال ضخّها في الاقتصاد والاستفادة منها على أوسع نطاق، لا بد من سياسة اقتصادية حقيقية، تكون مدّتها على أقل تقدير ثلاث سنوات
دور وزاري
ويعدد أسد رؤوس الهرم لهذه السياسة الاقتصادية ممثلة بوزارات الاقتصاد والتجارة الخارجية والمالية، ومصرف سورية المركزي ومؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بحيث تقوم هذه المؤسسات بوضع سياسة وطنية لتشغيل الأموال في المصارف العامة، وبذلك فإن هذه السياسة ستقوم بإقراض الأفراد، بغرض تمويل مشاريع إنتاجية في الريف أو المدينة على السواء، مع مراعاة أن يتم التركيز على المناطق التي تحتاج إعادة إعمار.
ضوابط وتسهيلات
ويشرح الدكتور أسد آلية عمل هذه السياسة بدءاً من مصرف سورية المركزي ووزارة المالية، بحيث تقوم الجهتان بوضع الضوابط والتسهيلات المصرفية اللازمة لتلك العملية، على أن تكون أيسر ما يمكن لتشجيع الاقتراض الإنتاجي.
أولويات
بعدها تقوم وزارة الإدارة المحلية والبيئة عبر الوحدات الإدارية بتحديد أولويات المشروعات المحلية في كل بلدية، ويقع على عاتق هذه الوحدات (البلديات) متابعة تنفيذ تلك المشروعات والتأكد من أن الأموال المقترضة صُرفت في مشاريع إنتاجية لا على حاجات المقترض الشخصية.
تحديد أولويات
وتلعب وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية من خلال هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة التابعة لها دوراً أساسياً في تحديد أولويات المستفيدين وتدريبهم على إدارة وتنمية مشروعاتهم، ثم يأتي دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من خلال تنظيم شروط العمل وفق قانون العمل بكل ما يتضمن من حقوق تتعلق بالعمل وظروفه وتغطيته بالتأمينات وغيرها من بقية حقوق العمال.
كما يؤدي الجهاز المصرفي العام والخاص التقليدي والإسلامي – بحسب أسد – دور الممول المباشر لتلك المشروعات بعد اعتمادها من قبل هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ولا ضمانات إلا ضمانة المشروع ذاته، وتؤدي مؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشروعات الصغيرة دورها في ضمان تلك المشروعات وفقاً لسياستها في تقديم الضمانات، وعليه يرى أسد أنه من الممكن أن يتم تحديد قيمة كل قرض بمبلغ (50) مليون ليرة سورية لاعتماده كرأسمال لمشروع صغير أو متوسط، وربطه بتشغيل عدد عمال معين وليكن (5) عمال كحد أدنى في كل مشروع.
تنبؤ
في حال العمل على السياسة الاقتصادية المشار إليها سابقاً والتي شرحها مدير الأبحاث فإن هذه الـ(3) تريليونات ليرة سورية التي قلنا بداية إنها تدل على الفجوة بين ضخامة المبلغ وبين حاجة الاقتصاد لتشغيله، ستكون قادرة على تمويل (60) ألف مشروع صغير ومتوسط في الاقتصاد، برأسمال (50) مليون ليرة لكل مشروع وبمعدل (20) ألف مشروع سنوياً كما أكد أسد، وستكون الـ(60) ألف مشروع قادرة على تشغيل (300) ألف شخص بشكل مباشر، عدا فرص العمل غير المباشرة المرتبطة بها.
دعم للمواطن
ويؤكد أسد ستعيل تلك المشروعات نحو (60) ألف أسرة سورية بالحد الأدنى على اعتبار أن متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة هو (5) أشخاص، بالتالي فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى زيادة الإنتاج الوطني وتغطية السوق بسلع جديدة، قد يكون بعضها سلع استهلاك شعبي تغطي مناطق محلية واسعة.
معالجة البطالة
كما أن العمالة المحلية ستشتغل، وستنخفض بالتالي معدلات البطالة في الاقتصاد، وتتراجع معدلات الفقر، وتتحسن دخول الكثير من الأفراد والأسر، كذلك فإن الجهاز المصرفي سيستعيد تلك الأموال مجدداً مع فوائد إقراضها، وبالتالي ستتعزز إيراداته أكثر، ويمكن إعادة توظيفها في قروض مشابهة مرة ثانية.
مردود وطني
وستستفيد وحدات الإدارة المحلية من الرسوم والضرائب المفروضة على تلك الأنشطة، وهذا يوسع قدرتها على تمويل الخدمات المحلية أكثر، وستتشكل حالة من التشاركية الوطنية (عام – خاص – أهلي) في إدارة تلك الأموال وهو ما يعزز أدوار كل الجهات الفاعلة فيها ويحمّلها مسؤولية تجاهها.
رفع السقوف
وفي شهر شباط الفائت، أصدر “مصرف سورية المركزي” تعميماً رفع من خلاله سقف السحب اليومي من الحسابات المصرفية من مليوني ليرة سورية إلى 5 ملايين ليرة سورية، وإلى 10 ملايين للبيوع العقارية.
انتقاد
وذلك بعد موجة انتقادات من قبل خبراء في الاقتصاد أكدوا أن سقف السحب اليومي لا يتناسب وقرار تحويل 15% من قيمة البيوع عبر المصارف، وفي وقت سابق، أكد الأستاذ في “كلية الاقتصاد” بـ”جامعة دمشق”، شفيق عربش، أنه في ظل عملية سحب يومي للمواطن بسقف مليوني ليرة فقط، فإن المواطن بات بحاجة إلى 100 يوم تقريباً حتى يسحب كافة أمواله إن باع منزلاً سعره نحو مليار ونصف.
تخمة
ونوّه بأن المصارف تعاني من تخمة في السيولة ولا تستطع أن توظفها بالاستثمار بفعل تعقيدات القروض من جهة، وعدم وجود مناخ للاستثمار من جهة أخرى، وكشف في 16 كانون الأول من العام الماضي، عن صدور قرار برفع سقف السحوبات اليومية من المصارف إلى 5 ملايين ليرة سورية، اعتباراً من مطلع عام 2022، على أن يتم رفع سقف المبالغ المنقولة بين المحافظات لأكثر من 10 ملايين ليرة.
وشّدد المصرف المركزي أواخر العام الماضي ضوابط السحوبات المصرفية، وقّيّد حركة السيولة لضبط سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وكان منها تحديد سقف السحب اليومي من المصارف بمليوني ليرة، والمبلغ المسموح حمله نقداً بين المحافظات بـ5 ملايين ليرة.
المصدر : B2B-SY
إضافة تعليق جديد