إسرائيل تصعد إلى المرتبة الثالثة عالمياً في تجارة الرقيق الأبيض
«مطلوب فتيات جميلات للعمل في الخارج اماكن آمنة ورواتب عالية تتراوح بين 15 و20 ألف دولار في الشهر»، انه نص اعلان تنشره الصحف الاسرائيلية هذه الأيام.. ولا حاجة للحيرة فتفاصيله واضحة فهو موجه الى فتيات جميلات على استعداد للعمل خارج اسرائيل.
أصحاب هذا الاعلان يديرون شركة اسرائيلية - اوروبية تعمل في استيراد وتسويق الفتيات. وبعد ان انتعش السوق في اسرائيل وارتفعت مكانة الدولة العبرية في العالم الى المرتبة الثالثة في تجارة «الرقيق الأبيض» انطلقت الشركات للمنافسة في التصدير الى دول عدة أبرزها: بريطانيا وكرواتيا وسنغافورة واليونان وتايلاند.
ازدهرت هذه «التجارة» في اسرائيل منذ سنوات طويلة وبرزت في شكل كبير مع ارتفاع الهجرة الروسية اليها حيث استغل الـ «تجار» التسهيلات التي منحتها الحكومة الاسرائيلية لاستقدام الروس ضمن مخططها القاضي بتكثيف الهجرة، كما استغلوا ضائقة الفتيات الروسيات وجهلهن خبايا المجتمع الاسرائيلي. واتسع عمل الـ «تجار» ليتحوّل الى تجارة اسرائيلية عالمية في دول مختلفة لها مكاتبها المشتركة التي تتقاسم الأرباح، ما أوصل اسرائيل الى «المرتبة الثالثة»، الأمر الذي أثار نقاشاً واسعاً وأثار الحركات النسوية وجمعيات وحركات المجتمع المدني. لكن علاج هذه الآفة لم يتعد حملات للشرطة الى بعض بيوت الدعارة واعتقال عدد قليل من التجار وطرد روسيات من البلاد. واليوم مع ظهور هذه الاعلانات بدأت التحركات من قبل جمعيات نسائية وأعضاء كنيست لمنع تفاقم الظاهرة على رغم ان المعطيات التي نجحت بعض الجمعيات في الحصول عليها تشير الى ان اعداداً كبيرة من الفتيات تجاوبن مع الاعلان ووافقن على شروط السفر وهن يحترفن اليوم «الدعارة» في عدد من الدول.
خلافاً لظروف وصول الفتيات الى اسرائيل ومن ثم عملهن في الدعارة فان الاسرائيليات اللواتي يسافرن الى الخارج لا يقعن في الفخ، بل ومنذ اللحظة الاولى للقائهم «الوسطاء» في اسرائيل تتضح لهن الصورة.
مركز مساعدة العمال الأجانب في القدس يتابع الموضوع ويحاول عبر تعاونه مع اعضاء في الكنيست ومؤسسات اخرى الحد منه. وقامت احدى المتطوعات فيه بتسجيل مكالمة هاتفية مع صاحب أحد المكاتب لاعبة دور من ترغب في العمل معه. وأُرفق التسجيل مع رسالة الى الشرطة الاسرائيلية ووزارة القضاء تطالبهما بالتحقيق في الموضوع ومعاقبة المسؤولين.
ومما جاء في هذه المحادثة الآتي:
- المتطوعة: قل لي هل عملكم ومضمون هذا الاعلان قانونيان.
- صاحب الإعلان: ماذا يعني قانونياً؟ اسمعي (...) قانوني... قانوني انا لا اعتقد ذلك ولكنه لا يؤذي.
- المتطوعة: بالفعل علي ان أكون مستقلة. صحيح؟
- صاحب الإعلان: اتعلمين.. ابعثي لي بصورك، ونرى قبل ذلك اذا كنت تلبين الطلب ومناسبة للعمل... يعني أرسلي لنا تفاصيل قياسات جسدك.
- المتطوعة : اتفقنا.. سأرسل.
- صاحب الإعلان: يعني نريد قياس الصدر، الخصر.. يعني من هذا القبيل. اتفهمين؟ وماذا أنت مستعدة لفعله وما لست مستعدة لفعله. ونحن نقرر اذا كنت مناسبة للعمل. على أي حال انت لست في حاجة كي تكوني ملكة جمال ولكن يجب ان يكون لك جسم أنيق مثلاً ضعيفة و...
- المتطوعة: وهل سافر الكثير من البنات ؟
- صاحب الإعلان: نعم... نعم العشرات بل أكثر.
- المتطوعة: جميعهن اسرائيليات؟
- صاحب الإعلان: نعم جميعهن من اسرائيل.
تفاصيل هذه المكالمة عرضت امام لجنة الكنيست الخاصة بمكافحة تجارة النساء في اسرائيل برئاسة النائبة زهافا غلئون. وكما تقول المسؤولة في مركز مكافحة تجارة النساء، عادي فلنغر، فإن ملاحقة المسؤولين عن الفتيات اللواتي تجاوبن مع اصحاب الشركات الاسرائيلية وسافرن أكدت انهن يعملن اليوم في الدعارة في مختلف الدول وتضيف:» الفتيات يدخلن الى هذه الدولة بواسطة تأشيرة سياحية فيما توفر الشركة ثمن بطاقة السفر بعد ان توقع الفتاة على تعهد بإعادته من أرباح العمل التي تجنيها خلال الشهر الاول من وجودها في الدولة التي ستصلها».
وتؤكد فلنغر ان شروط العمل في الخارج شبيهة الى حد كبير بشروط عمل الفتيات في بيوت الدعارة في اسرائيل، خصوصاً ما يتعلق بالراتب. وتقول ان الجهود التي بذلت لم تظهر بعد المبلغ الذي يدفع للإسرائيليات في بريطانيا او تايلاند او أي دولة اخرى، ولكنها تشير الى ان الشركات تتبع الأسلوب ذاته مشيرة الى ان احدى الفتيات الأوكرانيات التي وصلت الى المركز للحصول على مساعدة للتخلص من «الورطة التي وقعت فيها» أكدت في الشهادة التي قدمتها ان الشركة الاسرائيلية وبالتنسيق مع الشركة الأوكرانية اكدتا لها بأن الحد الادنى الذي ستتقاضاه في اسرائيل لن يكون اقل من 4 آلاف دولار في الشهر لكنها في احسن الاحوال تقاضت في الشهر 35 دولاراً.
الكشف عن ظاهرة تصدير الاسرائيليات للدعارة في الخارج يثير في هذه الاثناء نقاشاً بين المؤسسات الناشطة في مجال حقوق المرأة والعمال وبين المؤسسات الحكومية وفي مقدمتها الشرطة، حيث تتهم المؤسسات الشرطة بإهمال الموضوع وعدم ملاحقة اصحاب هذه الإعلانات كون عملهم غير قانوني. غير ان الشرطة أعلنت انها شرعت في التحقيق في الموضوع بعد ان كشفت ثلاث شرطيات ان صاحب احد الإعلانات حاول اقناعهن بقبول العمل المعروض في الصحف والسفر الى الخارج. وبعد تقصّيهن الحقائق وتحري نوعية العمل اعتقل الشخص واثنان يعملان معه وخلال التحقيق تم توقيف 14 فتاة قبل سفرهن في وقت قصير.
الكشف عن تصدير اسرائيليات الى الخارج اثار مجدداً معاناة الفتيات اللواتي يصلن الى اسرائيل للعمل ويقعن ضحايا البغاء. وبينت إحصاءات أخيرة ان عدد الفتيات الاسرائيليات اللواتي احترفن هذه المهنة آخذ بالارتفاع في شكل كبير ويشمل القاصرات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 12 و18 سنة.
الابحاث الاسرائيلية تشير الى ان 90 في المئة من الاسرائيليات اللواتي يخترن الدعارة مهنة تعرضن في طفولتهن لاعتداءات جنسية و80 في المئة تعرضن لاعتداءات جسدية. معظمهن يتعاطين المخدرات ويعانين من أمراض سرطان عنق الرحم والريقان والأيدز.
هذا الوضع دفع الحكومة الى بحث الموضوع واعلن رئيس الوزراء، ايهود اولمرت، عن تخصيص 4 ملايين دولار لعلاج هذه الظاهرة وفق خطة تشمل بناء مراكز خاصة لعلاج الفتيات واقامة خطوط طوارئ للمساعدة النفسية. وبحكم القانون الاسرائيلي الذي لا يمنع الدعارة وجد معدو الخطة اهمية وضع عيادة متنقلة بين بيوت الدعارة تجري الفحوصات الضرورية للعاملات.
الفتيات يصلن من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً الى مصر، ومن هناك يتم تهريبهن الى اسرائيل، وبعد تجاوز الحدود يكتشفن حقيقة الغرض من جلبهن الى اسرائيل. اصحاب الشركة الاسرائيلية يُفهمون الفتاة بأنها ستنتقل الى عهدة وسيط جديد وسيصبح اجرها مضاعفاً.
وفي محاولة لمنع الفتاة من القيام بخطوات تكشف امر «الوسطاء»، يهددونها بتمزيق جواز سفرها. بعدها تبدأ مرحلة «التسويق» والـ «عرض» فتلتقط لهن الصور لتعرض امام الوسيط الجديد وتبدأ عملية المساومة. ووصفت احدى الشابات للشرطة ما حصل لها قائلة:» تماماً كما يفعل تاجر المواشي يتعامل هذا المشتري معنا... لقد تخيلت انني نائمة وأحلم. حاولنا الاعتراض او الاحتجاج لكنهم قالوا في شكل واضح بأننا عمال غير قانونيين تسللوا من دولة عربية معادية ... «.
وتبين من التحقيق مع بعض الفتيات ان الواحدة منهن تعمل بين 10 و12 ساعة في اليوم، وتعمل في الشهر الاول مجاناً كي تغطي مصاريف «السفر»، وابتداء من الشهر الثاني تبدأ بتقاضي راتب يتراوح بين 2 و4 دولارات عن كل زبون.
اضافة الى ذلك، تُستغل وضعيتها غير القانونية لجعلها تعيش في خوف دائم من الشرطة. فممنوع عليها الخروج من البيت الا بمرافقة دائمة. وممنوع عليها الاستراحة والتنزه...
الجانب الابرز في الخطة الاسرائيلية يتركز في الحد من عملية تهريب الفتيات الى اسرائيل عبر الحدود الأردنية والمصرية، المصدر الاكبر في تهريب فتيات الى اسرائيل بالتعاون بين اصحاب مكاتب في اسرائيل وبين البدو في النقب او عند الحدود الاردنية.
عملية تهريب الفتيات عبر الحدود الأردنية تثير لدى الاسرائيليين قلقاً من مخاطر انتشار هذه التجارة وعدم القدرة على الحد منها. وعبر الجيش الأسرائيلي في تقرير له حول تــهريب الفــتيات عبر الحدود الاردنية والمصرية عن قلقه من الدور الذي يلعبه قصاصو الأثر من البدو الذين يخدمون في الجيش. فحسب التقرير فإن هؤلاء يصرفون النظر عن عمليات التهريب ويلعبون دوراً في مساعدة المهربين من أقاربهم خصوصاً ويسربون المعلومات للمهربين حول تحركات الجيش وحرس الحدود.
وأشار التقرير الاسرائيلي الى ان ضباطاً في الجيش الاسرائيلي ضالعون في معرفة تحركات الجيش في هذه المنطقة تحولوا الى اهم وسيلة لإنجاح عمليات التهريب ، ليس فقط للمخدرات انما ايضاً الفتيات.
آمال شحادة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد