العراق: صراعات «الأجنحة» تؤجّل مؤتمر «الدعوة».. خوفٌ من «قوّة» المالكي
التأجيل بات قرين المؤتمر العام - المرتقب منذ سنوات - لـ«حزب الدعوة الإسلامية»؛ إذ رُجّح انعقاده مطلع شهر حزيران/ يونيو الحالي (تحديداً في العاشر منه)، غير أن عوائق فنية ولوجستية دفعت إلى تأخيره مجدّداً حتى «العشر الأواخر» من الشهر نفسه. الحراك الداخلي يشي بأن الحزب أمام استحقاقٍ مفصلي، وآمالٍ معقودةٍ بإعادة إنتاج قيادةٍ قادرة على تفعيل حزبٍ حكم العراق لأكثر من عقد.من المتوقّع أن يعقد «حزب الدعوة الإسلامية» مؤتمره العام، والمؤجّل منذ عام 2015، أواخر حزيران/ يونيو الحالي، في بغداد. «ما من تاريخٍ محدّدٍ بعينه، إنما في العشر الأواخر من الشهر الحالي»، يؤكد مصدر مطلع على الحراك الداخلي للحزب، مرجّحاً أن يُعقد بين الـ22 و30 منه. المؤكد أن الحدث «استثنائي» لقيادة الحزب ومنتسبيه وقاعدته الجماهيرية، فآمالهم معقودة على نجاحه، وقدرته على إعادة إنتاج حزبٍ دخل في «سباتٍ» تنظيمي منذ أكثر من 30 عاماً، في ظل عجز قيادته عن تقديم كوادر شبابية من جهة، وانغماسها باللعبة السياسية (تحديداً بعد الاحتلال الأميركي للبلاد في نيسان/ أبريل 2003) من جهةٍ ثانية، إضافةً إلى «تركها» لأي عمل إصلاحي داخلي من جهة ثالثة، بل وذهابها في سياق تنمية الخلافات بين أجنحتها.
سبق أن كشفنا عن حراك «النخبة» (مجموعة من القيادات التاريخية عملت على تقريب الوجهات بين الأطراف المختلفة)، والتي استطاعت ـــــ خلال فترة قصيرة نسبيّاً ــــ إنضاج رؤية إصلاحية شبه متكاملة، من شأنها إنجاح المؤتمر، وتحقيق تطلّعات قيادته بمعزل عن خطوات بعضهم «الالتفافية» للإبقاء على آلية العمل الحزبي الحالي. فالمؤتمر الذي أُجّل لأكثر من مرّة (كان التوقّع الأوّلي أن يُعقد أواخر العام الماضي) لأسباب تقنية/ فنية ولوجستية، وبعض التفاصيل المتعلقة بها (بشكل مباشر أو غير مباشر).
فنياً، ثمة أسباب عدّة. تشير المعلومات إلى أنّه وبالتزامن مع تشكيل حركة «النخبة»، شكّل آخرون حركةً أسموها بـ«الدعاة الميامين»؛ أولئك من القيادات البعيدة عن الحزب (كُل واحدٍ منهم له سببه) أو فضّلوا «العزلة» عن الاستمرار بالعمل التنظيمي. لكنّهم ـــــ ومع بدء الحراك «الإصلاحي» ــــ سعوا إلى أن يكونوا جزءاً مؤثراً فيه، بدعوتهم إلى ضرورة إشراكهم في القرار، وتقديمهم «ورقة عمل» تحمل رؤىً إصلاحية. إلا أن اللجنة المعنية بعقد المؤتمر فضّلت التريّث في حسم مشاركتهم؛ فمعظمهم ممّن «علّق عضويته» أو بات بعيداً عن العمل الحزبي. وعليه، فإن ترتيب العلاقة بين التنظيم وهؤلاء أُجّلت لما بعد المؤتمر، ما انعكس سلباً على موعد الانعقاد، غير مرة، ودفع إلى تأجيله، وفتح النقاش مجدداً حول إمكانية إشراكهم.
أما «النخبة»، فقد صاغت برنامجاً متكاملاً يعالج الكثير من نقاط الخلل في عمل «الدعوة»، وفق مصادرها، إذ نصّت «ورقة عملها» على إعادة مأسسة الحزب بـ«هيكل مهني على قدر التحديات والاستحقاقات» بالدرجة الأولى، كما استطاعت تحييد المشاكل والخلافات بين قيادات الحزب عن العمل الحزبي بهدف الإبقاء، قدر المستطاع، على سيرورته بالدرجة الثانية، إلى جانب نجاحها في التواصل والتفاهم مع أكثر من ثلثي العدد المتوقّع مشاركته في المؤتمر بالدرجة الثالثة، وبذلك استطاعت أن تكسر مشروع بعض القيادات التاريخية، في «الالتفاف» على مشروعها «الإصلاحي».
«الصقور» يلتفّون على «الإصلاح»
أبرز «صقور» الحزب حاليّاً، هم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وسلفه نوري المالكي، وعبد الحليم الزهيري، وطارق نجم، وعلي الأديب. يُعرف هؤلاء بـ«القادة التاريخيين». هم أبرز قادته، وأكثر المتحكمين/ المؤثرين في مفاصله. بين هؤلاء الخمسة خلافات حادّة، وصلت حدّ القطيعة، خاصّة إبّان تولّي العبادي رئاسة الوزراء (آب/ أغسطس 2014). العلاقة بينهم أفضت إلى تعطيل عمل مكاتب الحزب، ما انعكس جموداً على حركته، خصوصاً خلال السنوات الأربع الماضية. هنا، تبرز محاولات «الصقور» لتجيير نتائج المؤتمر لصالحها. رأيان متصارعان، الأوّل لهؤلاء (باستثناء المالكي) والثاني لـ«النخبة»، إذ دعا الأوّل إلى تشكيل «لجنة إشرافية» لمراقبة وتقويم عمل المجلس القيادي الذي سيُنتخب في المؤتمر المرتقب، بحيث يكون «قيادةً على القيادة». هذا المقترح، وفق المصادر، يُبقي قرار الحزب بيد «الصقور»، فإحالة قرارات القيادة إلى التنفيذ سيكون مشروطاً بموافقة «اللجنة»، التي ستشرف بدورها على حركة الحزب تفصيلاً. وحتى يسهّل «الصقور» عملية «الاستلام والتسليم»، كان خيارهم بالاستقالة من مناصبهم (كان العبادي أوّل من اتخذ هذه الخطوة)، إلا أن «النخبة» عارضت ذلك بشدّة، على اعتبار أن هذه المحاولة لا تخدم الحزب أبداً، بقدر ما تحكم قبضة هؤلاء عليه، وتفرض إبقاءه في حالة «الموت السريري».
رأي «النخبة» كان مغايراً. رفضت «اتفاق الصقور»، لاعتبارات عدّة، أبرزها أن استقالة تلك القيادات وانتقال عضويتها إلى «اللجنة الإشرافية» يحفظ «مكانتها»، إذ أنها تتخوّف من أي انتخابات داخلية (رفض بعض «الصقور» الترشّح) خوفاً من خسارة مقاعدها من جهة، و«حرصاً» منها على أن تكون القيادة بيد «أهل الخبرة» من جهةٍ أخرى. رفضت «النخبة» المقترح، متمسّكة بمقترحها القاضي بضرورة تفعيل دور الأمين العام، رغم معارضة «الصقور» لذلك، بحيث تُفعّل صلاحياته كمنسّق ومشرف ومتابع لحركة المكاتب الحزبية. «نريد أميناً عاماً ضابطاً لإيقاع الحزب، وليس أميناً منزوع الصلاحيات، لا يستطيع اتخاذ أي خطوة جديّة»، تقول المصادر، مضيفة في حديثها: «نريد أن نحفظ دور القيادات التاريخية، بحيث تكون حاضرة وفاعلة على رأس المكاتب الحزبية (بعد انتخابها)، إلى جانب الكوادر الشابة، والتي ستدعمها هي الأخرى في الانتخابات الداخلية» (وفق المقترح الجديد لـ«الدعوة» 9 مكاتب، بعضوية ثلاث «دعاة» ــــ رئيس ونائب رئيس ومقرّر، على أن يكون هؤلاء الرؤساء المنتخبون من «الشورى» أعضاء المجلس القيادي، فالتطلّع بأن يكون الأخير قيادةً ميدانية تتمتّع برؤية استراتيجية، تتفاعل مع رؤية الحزب ومتطلّبات الميدان).
تمسّك «الصقور» بمقترحهم، يكمن من تخوّفهم من اكتساح جناح المالكي للانتخابات الداخلية. ثمة مناخٌ لدى «النخبة» بأن المالكي مازال الأقوى في الحزب، وهو أمرٌ مقلقٌ لـ«الصقور»، الذين لا يحبذون «بسط يد أبو إسراء». فالأخير، ونتيجة حملات التسقيط التي تعرّض لها على مدى السنوات الخمس الماضية، يحظى بتعاطف الكوادر الحزبية، ما يخوّله حصد أكبر عدد ممكن من الأصوات، والاحتفاظ بموقعه الحالي كأمينٍ عام. «النخبة»، أمام هذا الواقع، وفي محاولة لتطوير الأداء الحزبي وتقريب وجهات النظر، عمدت إلى تفعيل دور المجالس الثلاث، أي «الشورى» و«القيادة» و«الانضباط الحزبي»، مع تكريس دور الأخير في ضبط مخالفات النظام الداخلي، أبرزها جعل ولاية المؤتمر لعامين فقط، قابلة للتمديد أشهراً ستة، مع التحضير خلال تلك الفترة لعقد المؤتمر التالي.
الأخبار
إضافة تعليق جديد