لن تصدقوا عدد البلاد التي تحتلها أمريكا ولم تسمعوا عنها من قبل!
في كتاب أحمد نوري النعيمي «عملية صنع القرار في السياسة الخارجية»، أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد مارست عبر تاريخها نوعًا فريدًا من الهيمنة في تاريخ القوى العظمى؛ إذ عرفت أمريكا بكونها القوة العظمى الأولى «غير الاستعمارية»، كلمات قليلة لكنها صورت أغلب رؤيتنا العربية، بل والرؤية العالمية للولايات المتحدة باعتبارها قوة عظمى مسالمة، طوال تاريخها لم تستعمر يومًا بلدًا أو تحتلها، بل مارست هيمنتها من أجل الارتقاء بالإنسانية.
عن هذا يقول المؤرخ الأمريكي دانيال إميرفاهر، في كتابه الجديد «كيف تخفي إمبراطورية: تاريخ الولايات المتحدة العظمى»، إن هناك جزءًا من التاريخ الأمريكي يعود لما قبل الحرب العالمية الثانية قد تم إخفاؤه، بل إن ذكر كلمة «مستعمرة» كان من المحرمات؛ إذ ورد في خطابات أحد المسؤولين الأمريكيين عام 1914، ما يلي: «لا يجب استخدام كلمة مستعمرة للتعبير عن العلاقة القائمة بين حكومتنا والشعوب التابعة لها، ومن الأفضل استخدام مصطلح ألطف، مثل أراضٍ أو مناطق تابعة».
كان الفرق بين الكلمتين عظيم؛ إذ كان للولايات المتحدة أراضٍ تابعة من قبل، مثل أركنساس ومونتانا، يحكي عنهما إميرفاهر، قبل أن تصبحا ولايتين تابعتين للولايات المتحدة الأمريكية، قائلًا أنهما كانتا أراضي تابعة للولايات المتحدة، وعلى الرغم من أنهما قد حرمتا من الحقوق التي تتمتع بها الولايات حينذاك، إلا أنه وبمجرد إجراء «تسوية»، جرى الترحيب بهما في حظيرة الولايات، وكانت التسوية هي «سكان العرق الأبيض»؛ إذ وبمجرد أن تصبح تلك الأراضي والمناطق التابعة مأهولة بسكانٍ من ذوي البشرة البيضاء، أو بمعنى أدق العرق الذي فرض سيطرته على الولايات المتحدة، يتم إعلان تلك المستعمرات ولايات جديدة، تنضم إلى داخل الولايات المتحدة. فما هي الأراضي أو «المستعمرات» التي كانت ولا زال بعضها تابعة للولايات المتحدة الأمريكية ولم نعرف عنها شيئًا؟
بداية الإمبراطورية الأمريكية
يسرد إميرفاهر في كتابه تاريخ أسود للولايات المتحدة الأمريكية، يبدأ بجملة خالدة، وهي: «تأثير قوة البحر على التاريخ»؛ إذ كانت الأراضي قد أغلقت في وجه الولايات المتحدة، في عصر صعود الإمبراطوريات، فإن البحار ما زالت مفتوحة. كان الفكر القائم في تلك الفترة من القرن التاسع عشر يتمحور حول قوة التجارة، وأن ثروة الأمم تأتي من التجارة البحرية؛ إلا أن السفن كانت بحاجة للوصول إلى الأراضي البعيدة، وتبعا لذلك فإنها بحاجة إلى مواني ومحطات فحم ومستودعات على طول الطريق، كما كانوا بحاجة إلى حماية بحرية، وهو ما يترتب عليه المزيد من القواعد العسكرية الخارجية، وفي عصر الحرب، قد تغلق البحار أمام الولايات المتحدة، وتصبح سفنها شريدة كالطيور البرية، غير قادرة على الطيران بعيدًا عن شواطئها.
كانت الدول في ذلك الوقت تعيش عصر الثورة الصناعية، وتطارد المنتجات الغامضة حول العالم، والتي تمكنهم من اللحاق بركبِ الصناعة، مثل المطاط من جنوب شرق آسيا، وزيوت التشحيم الصناعية من غرب أفريقيا، والنحاس من أمريكا الجنوبية، إضافة إلى منتجات الهند.
نهاد زكي
إضافة تعليق جديد