هل انخفضت أسعار المواد الاستهلاكية فعلاً؟
هل هدأت ثورة ارتفاع الأسعار في أسواقنا، وهل انخفضت الأسعار بالفعل حتى كاد يتلاشى الحديث عنها، أم ان المواطن اعتاد الغلاء ووجد ان لا مناص من قبوله والاستسلام للوضع الراهن، أم انه رضي بالاجراءات التي اتخذتها الجهات المعنية لكبح جماح الأسعار..؟!.. أسئلة كثيرة تطرح في هذا المجال الواسع، وقد تجد الإجابات عنها او لا تجدها.. ولن نجتهد كثيراً فيه فقد أشبع بما يكفي في الفترة السابقة، ولكننا سنعرض بعضاً من واقع سوق الغذاء ونأخذ رأي مدير فرع استهلاكية دمشق بما حدث.
لدى التجوال في الأسواق وخاصة الشعبية منها التي يرتادها أصحاب الدخل المحدود جداً، نجد ان لا تغير كبيراً طرأ على الأسعار، فمثلاً: الضروريات مثل البندورة والبطاطا لا تزال أسعارها من /30 - 35/ ل.س، والملفوف والزهرة انخفضت إلى حدود /20/ ل.س، وهي لن تؤثر كثيراً كون شرائها يتبع الرغبة وهي ليست بالمواد الأساسية، لكن الملاحظ ان الفترة الماضية شهدت انتعاشاً للخضراوات من نوع الورقيات كالسبانخ والخبيزة والسلق وغيرها رغم ان أسعارها لم تنخفض للكيلو الواحد عن /20/ ل.س، والبقدونس رحمة بالسلطة راوح سعرها ما بين /20 - 25/ ل.س للكيلو، أما الخيار فلا يزال أكثر من /20/ ل.س.
بينما الفروج فما زال محلقاً فسعر الكيلو الحي نحو /85/ ل.س، والجاهز مشوي أو مقلي فهو يفوق في النوع الأول /200/ ل.س وفي الثاني /225/ ل.س وبحجوم صغيرة لا تتجاوز في كثير من المطاعم /1.3/ كغ، أما اللحوم الحمراء ففي منافذ القطاع العام أسعارها مقبولة، لكن المشكلة في ان تلك المنافذ ما زالت في أماكن محدودة ويجد المواطن صعوبة في الذهاب إليها، خاصة ضمن أوقات الدوام الرسمي، ورغم رفد تلك المنافذ بكميات جيدة من اللحوم، إلا ان ذلك لم يغير من الأسعار لدى الجزارة، حيث لا تزال على حالها ولا شيء يردعها.
لكن الغريب حالياً شأن البيض، فلم يلتزم بالتسعيرة الرسمية المحددة بـ /130/ ل.س، والتي وضعت على أساس ان إنتاج البيض له ظروفه وتكاليفه التي لا يمكن اغفالها وبالتالي كسر السعر، لكن الذي حدث ان هذه التسعيرة لم ترتفع ولم تتقيد بتلك الظروف والتكاليف، ولكنها انخفضت حتى وصل سعر صحن البيض ما بين /110 - 120/ حسب وزنه، وطبعاً ذلك يضع اشارات استفهام حول الظروف والتكاليف المزعومة.
والمريح أيضاً ان أسعار التفاح انخفضت لبعض الأصناف وخاصة ذات الجودة المتوسطة، وأصبح من يود ادخال التفاح إلى منزله عليه ان يشتري كيلو متوسط الجودة بـ /25/ ل.س، لكن السعر للأنواع الجيدة لا يزال أكثر من /50/ ل.س، والبرتقال شبيه بحال التفاح تقريباً.
وبشأن الثوم والبصل فحالها من المحال تغيره فالأول سعره /100/ ل.س للكغ الواحد، والثاني وللأصناف التي فيها عفونة ورطوبة ويتلف ثلثها عند الاستخدام بـ /25/ ل.س.
أما الحليب فهو بـ /20/ ل.س، واللبن الرائب بـ /25/، والمصفى بـ /70/ ل.س، وبعضها غير موثوق بمصدره ومكوناته.
وكذلك حال المواد الأساسية من سكر ورز وشاي وكونسروة بأنواعها فهي مرتفعة الثمن والتدخل تجاهها خجول حتى الآن.
وطبعاً كما أسلفنا هذا استعراض للأسواق الشعبية، وطبعاً لن نستعرض غيرها لأنها لا تهم الغالبية العظمى من المواطنين، وتهم شريحة محدودة وهي لا تهتم إذا ارتفع السعر او انخفض كسوق (التنابل) في الشعلان وغيره.
توقفنا عند السيد زهير نعمو، مدير فرع استهلاكية دمشق، وسألناه عن رأيه في واقع السوق، خاصة وانه في جهة لها دور وعلاقة بما يحدث سواء إيجاباً أو سلباً، فبيّن ان السعر المحتكر في الأسواق لا يكسر إلا من قبل القطاع العام عبر توفير المادة بالكم الكافي ليحدث التوزان بين العرض والطلب او زيادة في العرض مقابل الطلب، بمعنى ان تتدخل الدولة بمؤسساتها العامة باستيراد المواد.. واية مواد..؟!.. انها تلك الغذائية من الدرجة الأولى لأنها مطلب يومي للمواطن المستهلك مثل الجبنة - اللبنة - السمنة - السكر والشاي والرز والكونسروة بأنواعها، فعندما تقوم الاستهلاكية مثلاً كإحدى مؤسسات القطاع العام، وهي المعنية تماماً بتأمين المادة الغذائية للمواطن باستيراد المواد الغذائية، فإنها تصبح بشكل مباشر مسؤولة عن أسعارها في السوق، وبالتالي لن يكون هناك منافس من القطاع الخاص كون حصرية استيراد المادة مناط بها، وهذا إذا ما تحقق يجعل دور المؤسسة هنا رائداً في استقرار سعر المادة الغذائية في السوق، خاصة وان هامش الربح الذي ترنوه محدود لا طمع ولا استغلال فيه، بينما التاجر من القطاع الخاص فإنه لن يستجر مادة ما لم يحقق منها أرباحاً كبيرة وضعفية، فهو مثلاً لن يقبل بنسبة ربح 7٪، أضف إلى ذلك فإنه سوف يحتكر سعر مبيع هذه المادة سواء أكان مبيع جملة أم نصف جملة أم مفرقاً، وبالمختصر يجب اعطاء المؤسسة الاستهلاكية دور استيراد المواد الغذائية بما يحقق عدالة سعرية في السوق، خاصة بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود، لأنها ستحقق وفرة في عرض المواد.
وأشار ان هناك مثلاً توجيه لقيام المؤسسة باستهلاك السمون والزيوت والمعلبات من سردين وطون وغيرها، وسوف يلتمس المواطن الميزة السعرية عند التداول للمواد الغذائية المستوردة من قبل الاستهلاكية مقارنة مع القطاع الخاص، وطبعاً إضافة إلى الميزة السعرية فإن المادة التي تقدمها الاستهلاكية ذات جودة عالية بضمان الدولة والمختبرات الغذائية التي يتم فيها تحليل المادة الغذائية قبل طرحها في السوق.
وبسؤاله عن مصدر بعض المواد المعروضة في الاستهلاكية، فقد ذكر نعمو ان الاستهلاكية تقوم بشراء المواد مثل السمون والزيوت والمعلبات من تجار القطاع الخاص، وهذا التاجر كونه المصدر الوحيد يتحكم بالسعر، وهنا لا تستطيع المؤسسة بهذه المواد ان تنافس سعرياً ما لم تبع بخسارة وهذا لن يحدث، لكن إذا استوردت بموجب مرسوم الدمج الذي أتاح لها ذلك، فإنها ستستطيع المنافسة وستنتفي بالتالي ظاهرة ارتفاع أسعار مثل المواد المذكورة والرائجة والتي ينحصر استيرادها بأشخاص محددين، وفي حال منع حصر الاستيراد لمثل تلك المواد بشخص واحد، فإن المنتج في دولة المنشأ سوف يبحث عن مصادر أخرى تستورد المادة من عنده مثل الدولة.. ولدى سؤاله عن مدى انعكاس اجراءات الحكومة ايجاباً على الخضار والفواكه، ذكر انها لم تنعكس إلا بشكل بسيط.
لا شك ان ما طرح سابقاً له أهمية كبيرة، وبالتالي لا بد من السماح للاستهلاكية باستيراد المواد الغذائية ومنع حصر استيراد مواد محددة بأشخاص محددين، بحيث يكون العرض في السوق للمادة من أكثر من مصدر، وهذا ما يحقق المنافسة والعدالة السعرية ويكسر الاحتكار، والأمر الآخر هو ضرورة تفعيل الرقابة التموينية، فباعة اللحوم والفروج والخضار وغيرهم لا يأبهون للتسعيرة الرسمية ويفرضون السعر الذي يريدون.
وليد الزعبي
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد