تنين طرطوس دمر 235 بيتاً بلاستيكياً في نصف ساعة
يبدو ان قدر مزارعي الزراعات المحمية في الساحل السوري فرض عليهم المعاناة والخسائر المستمرة الناجمة إما عن تدني الاسعار وإما الكوارث الطبيعية حيث خلال السنوات العشر الماضية عانوا كثيرا من تدني اسعار الخضر المحمية المنتجة من قبلهم وخلال الموسم الماضي والموسم الحالي تحسنت اسعار هذا المنتج لكن الكوارث الطبيعية كانت لهم بالمرصاد وأعادت الخسائر اليهم من جديد وتتميز الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية بفداحتها وكبر حجمها الامر الذي يجعل تعويضها يستغرق وقتا طويلا ويرهق المتضررين منها.
ما حدث صباح يوم الاربعاء الماضي 14/3/2007 يشبه الخيال ويشبه أفلام الرعب الأميركية حيث خلال نصف ساعة دمرت زوبعة بحرية 235 بيتا زراعيا بلاستيكيا في طرطوس تدميرا تاما وقضت على محتوياتها من الحديد والبلاستيك ونباتات البندورة والخيار والفريز حيث كان قد سبق صباح اليوم المذكور ليلة عاصفة ماطرة وعند الصباح هدأت العاصفة وتوقف هطل الامطار وأعقب هذا الهدوء القصير هبوب زوبعة بحرية يطلق عليها سكان السهل الساحلي اسم «تنين بحري» نظرا لقوته حيث خرجت من البحر على شكل زوبعة واجتاحت البر في منطقة سهل ميعار شاكر جنوب مدينة طرطوس
وبدأت بتدمير البيوت الزراعية البلاستيكية التي تصادفها في مسارها ويروي لنا المزارع صالح اسماعيل حسن من قرية دير حباش حكاية مرور هذه الزوبعة فيقول: انه عند الساعة السابعة والنصف من صباح اليوم المذكور كان موجودا في أحد البيوت الزراعية البلاستيكية التي يملكها حيث جاء مبكرا لتفقدها بعد الليلة العاصفة وفجأة سمع صوت هدير قوي فخرج من البيت الزراعي ونظر الى الأعلى فشاهد شرائح البلاستيك وصناديق الفلين تتطاير في الجو فعرف ان «التنين» قادم باتجاهه وفورا غادر البيت البلاستيكي الزراعي وابتعد عنه حوالي خمسين مترا وفجأة وصل «التنين» ودمر له أربعة بيوت زراعية بلاستيكية اثنان منها بندورة واثنان آخران خيار وعن طريقة تدمير هذه البيوت الزراعية يقول المزارع نفسه: ان التنين يطبق على هذه البيوت من الاعلى فيحطم قوائم الحديد التي يقوم عليها سقف البيت الزراعي الاعلى ويمزق شرائح البلاستيك الموجودة فوق هذه القوائم بالكامل ويأخذ قسما منها معه ويكتسح النباتات الموجودة داخل البيت الزراعي اكتساحا تاما أي وبمعنى آخر يمسح هذه البيوت الزراعية عن وجه الارض مسحا تاما خلال لحظات وقدر هذا المزارع خسارته بـ 600 ألف ليرة سورية. وقال أخوه المزارع عزيز اسماعيل حسن: ان التنين دمر له ثلاثة بيوت زراعية بالكامل وايضا نفس العدد دمرت للمزارع محسن علي ابراهيم وهنالك أربعة اخرى للمزارع محمد كناج من سهل ميعار شاكر وغيرها الكثير. وحسب احصائيات مديرية زراعية طرطوس فإن هذا التنين أحدث أضرارا في أربع قرى هي: ميعار شاكر ودير حباش المجاورة لها وخربة المعزة وسمريان وكانت اكبر الخسائر في سهل ميعار شاكر وتبلغ مساحة هذه البيوت الزراعية البلاستيكية المدمرة 104.6 دونمات منها 77 بيتا كانت مزروعة خيارا وستة مزروعة فريزا والباقي بندورة والمعروف ان مساحة البيت الزراعي البلاستيكي بالمتوسط هي 400م2 وحسب احصائيات مديرية زراعة طرطوس نفسها فإن نسبة الضرر في هذه البيوت الزراعية كانت بنسبة 100% في خمسة منها وبنسبة ضرر 90% في 225 بيتا زراعيا و30% في ستة بيوت منها صالتان مساحة الصالة 800م2 وقدرت مديرية الزراعة نفسها انتاج هذه البيوت بـ 869 طنا من البندورة والخيار والفريز قيمتها حسب الاسعار الحالية 17.920 مليون ليرة سورية. أما عدد المزارعين المتضررين فقد بلغ 69 مزارعا وقدرت قيم الضرر الكلي الناجم عن هذه الكارثة بـ 36.622 مليون ليرة سورية وهي تشمل خسائر المنشآت والمحصول.
المزارعون المتضررون الذين التقيناهم تحدثوا بمرارة عن معاناتهم جراء هذه الكارثة حيث أكدوا انه ليس لديهم دخل يعيشون منه غير هذه البيوت الزراعية وهم مدينون للمصرف الزراعي ومراكز بيع الادوية الزراعية وتجار سوق الهال وكان أملهم كبيرا في وفاء ديونهم المستحقة والعيش بما تبقى لهم من عائدات محاصيلهم لكن المحصول دمر وانتهى وهم يطالبون الدولة التي هي أب لكل فرد من أفراد المجتمع بالتعويض عليهم جراء هذه الكارثة حتى يتمكنوا من العيش بكرامتهم ويعيدوا بناء هذه البيوت الزراعية المدمرة وزراعتها من جديد في الموسم القادم وهم مصرون على استثمار أرضهم مهما كانت قوة الكارثة ولاسيما أنه ليس لهم مورد عيش غير هذه الارض.
وقال المهندس الزراعي محمد عبد الرحمن رئيس الوحدة الارشادية الزراعية في قرية دير حباش: ان تكلفة اعادة بناء البيت الزراعي الواحد تصل في الوقت الحالي الى 90 الف ليرة سورية وذلك بعد ارتفاع اسعار الحديد والبلاستيك وبسبب الخسائر التي لحقت بالمزارعين خلال السنوات الماضية نتيجة تدني الاسعار فقد اصبح هؤلاء المزارعون مرهقين بالدين والمطلوب مساعدتهم والتعويض عليهم. وأكد المهندس الزراعي ايضا ابراهيم حسن من نفس الوحدة الارشادية ان هذه الزراعات أصبحت مكلفة جدا لكن لا يوجد بديل عنها في ظل الحيازات العقارية القليلة المساحة في المحافظة.
لا يمر عام دون ان يتعرض مزارعو الزراعات المحمية في طرطوس لمثل هذه الكوارث والتي تسبب مزيدا من الخسائر لديهم وفي كل عام تكتب الصحافة عن هذه الكوارث ومعاناة المزارعين جراء هذه الكوارث الطبيعية والدولة لا تعوض عليهم وأقصى ما تفعله هو اعادة تقسيط ديون المصرف الزراعي واعفاؤهم من غرامات الفوائد المستحقة والديون تتراكم عليهم عاما بعد عام وكلما بدرت بارقة أمل بإحداث صندوق التأمين على المحاصيل الزراعية تعود هذه البارقة وتختفي من جديد نتيجة الخلافات بين الحكومة واتحاد الفلاحين والجميع يدرك ان الحل الوحيد للتعويض على هؤلاء المزارعين هو هذا الصندوق والسؤال الى متى سيبقى هذا الصندوق حلما؟
والى متى سوف نبقى ننظر الى هؤلاء المزارعين بعين العطف دون ان نقدم لهم شيئا ينفعهم ويدفعهم الى الاستمرار بالانتاج؟
وهل عجزنا فعلا عن ايجاد مثل هذا الصندوق؟
ولماذا لا نستفيد من تجارب دول العالم الاخرى في مثل هذه الازمات؟
انها اسئلة نضعها برسم الحكومة.
سلمان إبراهيم
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد