تسعيرة “التموين” الرسمية تبشر بانخفاضات مرتقبة لا تقتصر على السكر والزيت والمتة
على خلاف المتوقع، لم يلق تخفيض أسعار السكر والزيت رضا أغلبية السوريين، الذين وصفوه بأنه “جبل تمخض عنه فأراً”، على اعتبار أن هاتين المادتين كانتا تباعان بسعر أقل، بينما هلل “شاربو المتة” لانخفاض أسعار مشروبهم المفضل إلى النصف تقريباً، لكن انتقادات المواطنين النابعة من “قلب محروق وجيب منتوف” لا تلغي أهمية قرار التخفيض الذي يعد خطوة إضافية صحيحة نحو هبوط تدريجي في سلم غلاء هذه السلع الأساسية وغيرها، ما يتطلب مواكبة للسوق وترك كلمة الفصل للمنافسة بغية حصول المستهلك على تخفيضات لاحقة، وهذه نقطة إيجابية ثانية تحسب لوزارة التجارة الداخلية خلال فترة قصيرة على أن تتبعها رقابة مشددة تضمن إلزام التجار بالتسعيرة الجديدة في ظل مسارعتهم إلى ابتكار حجج للتهرب من التقيد بتسعيرة الزيت والمتة تحديداً.
تخفيض بالقطارة
بين مهلل ومستنكر استقبل السوريون قرار تخفيض أسعار السكر والزيت والمتة، حيث أكدت حنان فتوح (موظفة) أن أسعار الزيت والسكر بموجب هذا القرار ارتفع سعرها ولم ينخفض، فقد اشترت ليتر الزيت بـ600 ليرة بانخفاض 50 ليرة عن تسعيرة التموين والسكر بـ280 ليرة بينما سعره حسب القرار 290 ليرة، وهنا تدخل سيدة أربعينية على الخط عند تسوقها في باب سريجة، أثناء رصدنا الأسعار من الباعة، لتؤكد شراءها كيلو السكر بمنطقة جرمانا التي تعد أسعارها “هاي” وفق قولها بـ275 ليرة، فعلى من يضحكون بهذه الأسعار التي تحاكي جيوب التجار وليس جيوبنا.
محمد مرعي موظف وأب لطفلين اعتبر تخفيض أسعار السكر والزيت ضحك على اللحى، متسائلاً: هل يعقل بعد انخفاض سعر الدولار واستقرار الأوضاع الأمنية أن يقتصر التخفيض على بعض القروش وبالقطارة، بينما حلّقت أسعارها عالياً عند ارتفاع سعر الدولار، في حين اعتبرت سلوى محسن (ربة منزل) التخفيض جيداً حتى لو كان محدوداً، فالرمد يبقى أفضل من العمى حسب قولها، متمنية أن تواصل الأسعار انخفاضها في القادمات من الأيام وعلى أن تقوم الرقابة التموينية بواجباتها في ضبط السوق ومحاسبة المخالفين.
المتة كلام آخر
حال السكر والزيت لا ينطبق على المتة، التي نال تخفيضها إلى النصف رضا محبيها، فعدّوه مناسباً لجيوبهم مع تمنياتهم بحصول هبوط أكبر في أسعارها مستقبلاً بعد ارتفاعها غير المسبوق، حيث بيّن حسن العلي (موظف) أن تخفيض سعر المتة يهم شريحة كبيرة من السوريين، وكان يفترض اتخاذه منذ فترة في ظل غلائها المبالغ فيه ولاسيما بعد استقرار سعر الصرف، لكن المهم حالياً انخفاض سعرها بشكل يمكننا من شربها دوماً والابتعاد عن الترشيد في شرائها، مشدداً على ضرورة قيام التموين بإلزام الباعة بالسعر الجديد، الذي ضمن لشريبة المتة شراء علبتين بدل واحدة فقط.
توافقه مروة الأحمد معبّرة عن فرحتها بطريقة طريفة بعد تهنئتها شريبة المتة على تخفيض سعرها: لحقوا شرب متة بعد هذا التخفيض، فحينما ارتفع سعرها لم ينقطع شريبتها عن شرائها، فكيف الآن، يجب علينا مكافأة التموين على هذا الإنجاز، الذي نتمنى أن يشمل سلعاً أخرى قريباً باعتبار أن الحبل على الجرار.
لكن انخفاض سعر المتة لم يرق لمستورديها وباعتها بحجة أن التسعيرة الجديدة ستعرّضهم لخسائر كبيرة ولاسيما في ظل وجود كميات كبيرة في المستودعات، معتبرين أن تسعيرة التموين بعيدة عن الواقع كلياً، حيث تم تسعير الطن بـ1000 دولار بينما يتم استيراده من الأرجنتين بـ3000 دولار حسب زعمهم.
الحبل على الجرار
جالنا على بعض محال المفرق، وأسواق دمشق الشعبية كسوق باب سريجة، حيث أبدى بعض الباعة عدم معرفتهم بقرارات التموين الجديدة، مطالبين بالاطلاع عليها، وعند ذكر الأسعار الجديدة، بيّن أحد الباعة، الذي فضّل عدم ذكر اسمه حرصاً كي لا “يزعل” أصدقاؤه تجار الجملة ومنتجو المواد، لكنه أكد أن السعر يباع أقل من تسعيرة التموين بسعر 280 ليرة تقريباً، مع العلم أن تسعيرة “الشوال” حالياً بـ13 ألفاً و100 ليرة، ما يعني احتمالية أن يهبط سعره أكثر خلال الأيام القادمة، مشيراً إلى أن التجارة الداخلية وضعت هامش ربح معقول للتجار آخذة في الحسبان بعض التكاليف كأكياس تعبئة التغليف، والأكياس العادية للسكر الفرط، مشيراً إلى أن سعر التموين الجديد للسكر بـ290 ليرة قد يكون القصد منه السكر المغلف، لكون “الفرط” سيكون أرخص حتماً.
وعن أسباب انخفاض سعر السكر رد ذلك إلى وجود عدد أكبر من المستوردين والمنافسة في السوق بين التجار، فأحياناً تكون تسعيرة التموين أغلى من السوق عندما يضطر الباعة إلى تخفيض أسعارهم من أجل المنافسة بين تجار السوق نفسه، إذ لا يمكن التغريد خارج سربهم وإلا سيكون هناك خسارة محتمة.
سيناريو الزيت
حدد قرار التجارة الداخلية سعر الزيت بـ650 ليرة، من دون التفريق بين زيت صويا ودوار الشمس، الذي يعد بطبيعة الحال أغلى من سابقه، وهو ما عدّه التجار نقطة للتحايل على عدم تخفيض سعر الأخير باعتبار أن مختلف أنواع زيت الصويا أرخص من تسعيرة التموين، وهنا يؤكد البائع نفسه ضرورة التفريق بين الزيت النباتي صويا مثال “سولينا وبروتينا” ودوار الشمس “الريف وفلورينا”، فالأول يباع بـ600 ليرة، بينما يباع النوع الثاني بسعر أغلى بـ700 ليرة أو أكثر، علماً أن مبيع الجملة لكل ليتر زيت يبلغ 665 ليرة بربح قرابة 35 ليرة فقط.
وفعلاً لاحظنا أثناء تجوالنا في سوق باب سريجة أن أغلبية الباعة يعزفون على هذا الوتر بغية التهرب من تخفيض أسعار زيت دوار الشمس، إذ يقول البائع الستيني الذي اكتفى بالتعريف عن نفسه بـ أبو محمد بضحكة: نبيع زيت الصويا أقل بـ50 ليرة وزيت دوار الشمس ـأغلى بـ50 ليرة، وتالياً “طلعنا خالصين وحدة بوحدة، وأكيد رح تسامحنا التموين” مؤكداً أن أسعار الزيت كانت أقل من تسعيرة التموين منذ فترة وليس من الآن.
حجة البضاعة المخزنة
قرار تسعيرة المواد الغذائية الثلاث عدّه باعة المفرق خارج حساباتهم حالياً لحين بيع البضاعة القديمة، علماً أننا وجدنا خلال جولتنا على بعض المحال قيام الباعة، ولاسيما في المناطق البعيدة عن مركز المدينة، ببيع هذه السلع بسعر أغلى بـ35 ليرة، فالسكر المعبأ يباع بـ330 ليرة والزيت بحوالي بـ675 ليرة، بسبب عدم وجود رقابة في هذه المناطق.
نسأل بعض الباعة في منطقة حي الورود- مشروع دمر عن الفترة التي يمكن التقيد بها بالأسعار الجديدة، ليتفق جميعهم على التأكيد أن ذلك يستلزم وقتاً لحين تصريف البضاعة القديمة المشتراة على سعر الصرف السابق، حيث توجد كميات كبيرة في المستودعات يفترض بيعها قبل التقيد بالسعر الجديد، معطين لأنفسهم مهلة أسبوع للتقيد بالأسعار الجديدة بغية بيع السلع الموجودة بمحالهم التي تصرف خلال أيام ثم يعاودون الشراء من باعة الجملة بالسعر الجديد.
الأمر ذاته أشار إليه بعض باعة سوق باب سريجة، الذين أشاروا إلى أن التسعيرة الجديدة لم تعمم عليهم لكن تطبيقها يستلزم وقتاً، وخاصة عند باعة الجملة بعد شرائهم كميات كبيرة من البضاعة لم تصرف، بشكل سيؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة بهم حسب ادعاءاتهم، وهذا ينطبق تحديداً على المتة، التي انخفض سعرها إلى النصف تقريباً.
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد