حماس تسقط عمدا فضل سورية على الطيار التونسي الشهيد والذي اغتاله الموساد في تونس
كتب التونسي جعفر البكلي :
قرأت البيان العسكري الذي صدر اليوم عن كتائب عز الدين القسام، والذي زف الشهيد محمد الزواري باعتباره «أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية»، كما جاء في نص البيان، والذي اغتاله «الموساد»، قبل يومين اثنين. ولفت انتباهي أن بيان كتائب القسام وجّه التحية، في المقام الأول، إلى «شعب تونس العظيم الذي أنجب هذا القائد البطل، وبرهن في كل المحطات أنه شعب الثوار وشعب المقاومين وشعب الأحرار، ووقف على الدوام مع فلسطين وشعبها ومقاومتها»، بحسب البيان المذكور. كما لفت انتباهي شكر كتائب القسام، (في بيانهم ذاته)، لمدينة صفاقس التونسية (التي اغتيل فيها الزواري) باعتبارها «طليعة الربيع العربي وحاضنة الثورة والمقاومة الفلسطينية».
إنني كمواطن تونسي، يسرني طبعا ان تثني حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على بلدي. ولكن هذا الأمر لا يثنيني عن قول كلمة حق، تجاهلتها كتائب القسام، وأغفلتها -سهوا أو عمدا- في بيانها المذكور.
أولا/ إنّ الشهيد الزواري هرب من بلده تونس قبل 25 عاما، خائفا جزعا مطاردا منبوذا بسبب انتماءاته السياسية المعارضة لنظام حكم زين العابدين بن علي. ولم يجد الشاب الصغير بلدا يلوذ إليه سوى سوريا التي دأبت على فتح ذراعيها لكل العرب، بدون استثناء، وبلا تأشيرات دخول، ولم تكن ترفض أن تستقبل من يجيء إليها لاجئا غريبا، أو دارسا فقيرا، أو ضيفا عابر سبيل.
ثانيا/ في سوريا انتظمت حياة الشهيد محمد الزواري بعد الضيق والخوف والعنت والظلم الذي لاقاه في وطنه الأصلي، فأكمل الشاب دراسته مجانا، ونال شهادته في هندسة الطيران باستحقاق، واشتغل في مصانع الدفاع السورية كأي واحد من أهل البلد، وتزوج من سيدة سورية، وأنجب منها أبناءه، وعاش في كنف وطن جديد يحتضنه ويُؤويه ويُعلمه ويُشغّله ويُهدي له شريكة حياته وأبناءه.
ثالثا/ في عام 2006، وفي سوريا، بدأ التواصل بين محمد الزواري وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (ليس في تونس، ولا في صفاقس). ولم يكن النظام السوري طبعا غافلا عن هذا التواصل والتعاون. فقد كان قادة حركة حماس هم الآخرون قد لاذوا بحمى دمشق بعد أن أطردهم الأشقاء، وطاردهم الأعداء، وخذلهم الجيران، ولم يجدوا إلا بشار الأسد ونظامه يقبل بهم ضيوفا مبجّلين، ويحميهم حلفاءَ موثوقين، ويمدهم بالسلاح والعتاد والخبرات والعقول.
رابعا/ في نهاية عام 2011، وبعد أن حلّ «الربيع العربي» -الذي تثني عليه كتائب القسام- بأرض سوريا، تحوّل أمن البلد خوفا، وسلامها حربا، ووحدتها شتاتا، وعمرانها خرابا، وصار شعبها طوائف وعشائر ومللا وأعداء... لأجل كل ذلك اضطر محمد الزواري أن يخرج مع عائلته الصغيرة، من سوريا الحبيبة التي آوته عشرين عاما، إلى تونس التي نفته عنها، ولم تلتفت إليه منذ عشرين سنة... ولقد اضطر الزواري أن يهاجر بغير رغبة منه، وإنما خوفا على سلامة أبنائه كي لا يصيبهم أذى طائش او متعمد، بعدما تحولت سوريا إلى مسرح حرب ضخمة ضارية يختلف عليها وفيها المتصارعون.
خامساً/ لمّا رجع محمد الزواري إلى بلاده الأولى غريبا، كما خرج منها، فيما مضى، غريبا، لم يعرفه، في صفاقس، أحد... ولم يهتم بشأنه، في تونس، أحد... ولم يحمه، من رصاصات الغدر العشرين، أحد... لكن، ورغم ذلك، فإن البيان العسكري لكتائب عز الدين القسام يلتفت كي يشكر «تونس العظيمة»، وشعبها «شعب الثوار والأحرار والمقاومين»، ثم ينسى البيان المذكور كل فضل لسوريا وشعبها وقيادتها، فلا يذكرهم بحرف واحد!
إضافة تعليق جديد