«ظل» على مسرح الفنون البصرية: الرقص في الأسوَد!
تجربة لافتة على مستوى «الريبرتوار السوري» أعلنت عنها كل من «الفرقة الوطنية للموسيقى العربية» وفرقة «Anima» للرقص المعاصر؛ حيث تآلفت جهود الفرقتين بقيادة المايسترو عدنان فتح الله والكوريغراف محمد شباط في العرض الموسيقي الراقص «ظل» (مسرح المركز الوطني للفنون البصرية 3- 5 تشرين الأول) لتكون هذه المغامرة الأولى من نوعها في البلاد على صعيد تقديم (shadow theater) حرص القائمون عليه أن يكون سورياً بامتياز، سواء من حيث المؤلفات الموسيقية المكتوبة له، أو حتى من خلال محاكاة الجسد الراقص للحرب الدائرة دون توقف منذ سنوات، وتبعات هذه الحرب على الكائن الإنساني من تشوّهات عميقة في النفس والجسد.
الحدث الراهن
ساعة من الزمن كانت كفيلة بأن تضع الجمهور في قلب الحدث الراهن، دون الذهاب نحو الفجائعي والدرامي المباشر، بل بالتركيز على حساسية تصويرية للجمل اللحنية الكثيفة والمشبعة بمقامات اشتقّها مؤلفوها من المدوّنة الآرامية والمشرقية للبلاد، فكتبها وأعدّها كل من الفنانين عدنان فتح الله وكمال سكيكر وناريك عبجيان، كمساحة للرقص خلف شاشة وضوء الفنان «أدهم سفر» معوّلين في ذلك على إنتاج ما يشبه ثيمات حركية لراقصي (Anima) الذين حاولوا بدورهم تقديم «مسرح ظل راقص» عبر ثلاث ثنائيات لرجل وامرأة؛ تجسّدت عبرها بذور حداثة بصرية يكون للمسرح الجسدي فيها الحضور الأكثر سطوةً على مُشاهد اليوم.
من هنا لم يكن على الرقص أن يتّبع الموسيقى، بل ستقترح الأخيرة للاول فسحةً للتفكير عبر الجسد، فالحضور المباشر لعازفي «الوطنية للموسيقى العربية» جعل من الفُرجة مقطعاً بصرياً سمعياً متناهياً في دلالاته وإشاراته، فلأول مرة يكون هذا الجناس بين الحركة والمقطوعة الموسيقية، بدون اللجوء إلى الاستعارة من المؤلفات الغربية الجاهزة، حيث يدل هذا التناغم على ساعات طويلة من التدريبات الشاقة للوصول إلى مفاتيح هذا الحوار، وإيجاد حلول فنيّة معقولة للتوليف والمزاوجة بين العزف الإفرادي لكل من الناي والعود والكمان مع متتاليات جسدية مضطرمة وخاطفة، اعتمدت أسلوبية الرقص الحديث والمعاصر كمعادل مشهدي لمقامات الشرق وتنويعاته الطربية.
جدة هذه التجربة ليست من تطويع الطربيّ والآرامي القديم لأحدث قوالب الرقص في العالم وحسب، بل من قدرة كل من فتح الله وشباط على توحيد إيقاعهما في ذرى درامية بلغ معها الراقصون الستة مفازات تشكيلية على شاشة خيمة الظل السورية المعاصرة. مجازفة فنية وضعت كلاً من لوحات «ملاك»، «لحظات»، «الموءودة» (أداء ليندا بيطار)، «سحر الشرق»، «أهكذا كانت»؟ في بنيّة متماسكة ومرنة لعبت بين الأسود والأبيض، بين الجسد وأخيلته المتراكمة وفق تصعيد درامي ساندته الموسيقى باستمرار، جاعلةً منه لعبة خصبة ولانهائية لإنتاج صور متحرّكة وسلسلة ومطواعة لفضاء دائم التحوّل والتمرد على صيغ المسرح التقليدي.
تبقى بعض اللعثمات والهِنَات البسيطة التي ظهرت هنا أو هناك في «ظِل» نتيجة طبيعية لغياب مخرج يدير هذه التجربة بين الشاشة والخشبة، ولاختبار وتمرين مهارات غير مسبوقة في تصميم «المسرح الأسود» أو ما يُعرَف بـ «مسرح الظلال»، والذي كان قد شهد تجربة يتيمة في هذا المجال عام 2007، عندما أوقفت الرقابة عرض «ملحمة المعرّي» لكلٍ من مخرجه زكي كورديللو ومؤلفه الشاعر الأرمني أفيديك إسحاقيان، وذلك بعد تقديمه لمرة واحدة وإلى الأبد على مسرح الحمراء الدمشقي!
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد