عندما يسأل مذيع "ال بي سي"زميلته في الميدان من تقصدين بالمعارضة؟
كان النهار طويلاً جداً، أمام الشاشة الصغيرة يوم أمس. ووجد المشاهد نفسه أمام حرب استعملت فيها أسلحة مشروعة... وأخرى غير مشروعة. فيما غرقت القضايا المطلبية الكبرى التي كانت وراء الدعوة إلى إضراب عام، من وطنيّة واقتصاديّة وسياسيّة، في الرمال المتحركة للانقسام الأهلي...
يسأَل وليد عبود من استديو “ال بي سي” في أدما: “عندما تقولين المعارضة فمن تقصدين؟” تعتقد أن مقدّم “نهاركم سعيد” يسأل سياسياً عبر الهاتف، ويستدرجه إلى إعلان موقف ما من المعارضة. لكنك تكتشف أنه كان يسأل زميلته في المحطة نفسها ليليان شاطري التي كانت تنقل مشاهداتها في البترون، عن معتصمات من المعارضة عمدن إلى إقفال الطريق.
يبدو غريباً لأي متابع أن يسأل إعلامي زميلته في المحطة نفسها عن المقصود بمصطلح استخدمته. هذا على الأقل ما تستغربه شاطري نفسها التي تطلب إعادة السؤال “لأني لم أسمعه” تقول. يكرر عبود موضحاً أكثر هذه المرة: “تقولين المعارضة، فهل هذا يعني أن كل الأطراف يشاركون في قطع الطريق أم فئات معينة”، عندها تجيبه: “من الطبيعي، بما أني في البترون، أن تكون عناصر المعارضة من التيار الوطني الحر والمردة”.
من الطبيعي أن يكونوا كذلك. ومن الطبيعي أكثر أن يستنتج عبود (والمشاهدون) وحده هذه المعلومة، من دون أن يسأل زميلته عنها. وهذا يعني أن القصد من السؤال لم يكن المعلومة بحد ذاتها بقدر ما هو محاولة غير مباشرة من عبود إلى توجيه الخطاب الإعلامي لزميلته: لا تقولي معارضة.
يتعزز هذا الاستنتاج مع متابعة مجريات النهار التلفزيوني الطويل. لا استخدام لكلمة “معارضة” في وسائل الإعلام الموالية للحكومة. الخطاب الإعلامي لهذه المحطات يستخدم تعابير متدرجة في وصف المتظاهرين، في أحسن الأحوال هم “المشاغبون”، وصعوداً: “قطاع الطرق”، “الإرهابيون”، “المجموعة المأجورة”، الزعران”، “القوى الانقلابية”... أما إذا أرادت هذه الوسائل إعطاء المتظاهرين بعداً سياسياً فنسمع “حزب الله وملحقاته” و“قوى الثامن من آذار”.
هذا خطاب لا يتجاهل سبب التظاهرات وأعمال الشغب الحاصلة فحسب، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال تقديم صورة خاطئة لما يجري على الأرض. القول عن الأطراف المسيحيين المنضوين في المعارضة بأنهم «ملحقات» ليس توصيفاً إعلامياً لهوية هؤلاء. هو توصيف سياسي له وظيفة واحدة: التأجيج الطائفي الذي كانت، للصدفة، قوى الموالاة المسيحية تحذّر منه. وقد تجلّى على الأرض في الاشتباكات المتنقلة في المناطق المعروفة بأكثريتها المسيحية.
ويتخذ الخطاب بعداً أكثر خطورة عندما يشن السياسيون الموالون حملتهم على القوى الأمنية والجيش اللبناني، بحيث تحوّل هذا الأخير إلى النجم. يطلّ النائب أكرم شهيّب على “المستقبل” وينتقد الجيش الذي “يقف مكتوف الأيدي أمام قطع الطرقات”، وكذلك يفعل رئيس الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” سمير جعجع. اتهامان تكذّبهما الصور وتعليقات الصحافيين في الاستديو كقول وليد عبود “الصورة خير دليل على محاولة الجيش فتح الطريق”، أو التحيات التي وجهتها النائبة غنوة جلول إلى القوى الأمنية في معرض مطالبتها بحماية أهل بيروت. هكذا، لا تسمع شيئاً له علاقة بدفاع الحكومة عن سياستها إلا من الوزير جهاد أزعور من باريس، عبر... BBC.
في المقابل تتحدث «المنار» عن «السلطة الجائرة» و«الطغمة الحاكمة» و«عناصر الفريق الحاكم»، وهي مصطلحات مدروسة تصب في خدمة الهدف السياسي. ويشرح خطابها الإعلامي أسباب التحرك التصعيدي. نقرأ في الشريط الثابت أسفل الشاشة عن الهدف من الإضراب العام: «اللبنانيون يطالبون بانتخابات نيابية مبكرة»، أو «اللبنانيون يرفضون انقلاب الحكومة على الدستور». أما المقابلات التي يجريها المراسلون على الأرض، فتسأل المواطنين عن رأيهم في الحكومة وأدائها، بعدما «نفد الصبر من الغبن في التمثيل السياسي». بالطبع لا يمكنك أن تستمع عبر شاشتها إلى آراء سياسيين موالين للحكومة. هذا أمر تميّزت به فقط محطتا «الجديد» و«ال بي سي».
وفي مكان ليس بعيداً عن «حرب المصطلحات» التي استخدمت أمس، كان لافتاً أن حرب الشريط الإخباري بين محطتي “المنار” و“المستقبل”، تركزت على أسماء الطرقات التي كانت المعارضة تعلن إقفالها... والموالاة تعلن فتحها. أما حرب الصورة، فدارت حول ما تنجح كل وسيلة إعلامية في تصويره من اشتباكات يكون ضحاياها من مناصري سياسة المحطة
.
مهى زراقط
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد