عبداللطيف عبد الحميد يختزل الحرب السورية في فيلمه "أنا وأنت وأبي وأمي"

22-04-2016

عبداللطيف عبد الحميد يختزل الحرب السورية في فيلمه "أنا وأنت وأبي وأمي"

الجمل ـ نبيل صالح:  أظن طائر الحب هو نفسه طائر الفينيق الذي يقوم من رماده بعد اشتعاله، وبذا تغدو الأسطورة حقيقة لاوهما كما كنا نظن.. وكذا تتجدد قصة حب الأب والأم (المعطلة سياسيا) في الإبن "طرفة" وحبيبته "عفاف" بفيلم عبد اللطيف عبد الحميد الأخير "أنا وأنت وأبي وأمي".. فالحب والحرب هما الموضوع الأثير والدائم في أفلام عبداللطيف منذ ربع قرن ونيف، منذ هزيمة 1967 وحتى الحرب العالمية على الأرض السورية التي نشهد فصولها منذ سنوات خمس..

يعرض الفيلم زواج الجغرافيا السورية بين الأب الدمشقي خالد والأم الساحلية صفاء، زواج أنتج إبناً موزع الولاء بين طائفة الأب وطائفة الأم، ويظهر ذلك في رابطته القوية مع جده لأمه وجده لأبيه، إنه نخبة الإنتاج السوري خلال ربع القرن الأخير من سورية الجديدة، الشاب الذي تطوع ليخدم كجندي على أحد حواجز دمشق التي تسهر على أمن المدينة، بينما يأخذ والده موقفا معارضا للسلطة ممثلا بذلك شريحة الإنتلجنسيا التي مازالت تعيش داخل أفكارها الطوباوية عن النموذج الغربي للدولة الديمقراطية في مجتمع محافظ تغلب عليه التوجهات السلفية.. هاذي الشريحة التي ساهمت في إضعاف الدولة وتقوية التيار السلفي المسلح الذي كان ابنه طرفة وحبيبته ضحية له، فخالد يمثل جزءاً من الشريحة المثقفة التي شكلت طبقة الشوكولا فوق الخراء السلفي الذي أنتج ما يسمى بالثورة السورية، وخالد الأستاذ الجامعي الذي ينفصل عن زوجته المحبة له بسبب خلافهما السياسي نموذج لكل الطلاقات الإجتماعية التي حصلت في سورية، فمزقت الأسر ووأدت الحب وسممت العلاقات الإجتماعية كما سمم بياع الفلافل الأمي ابنه طرفة بسندويشة الحقد، ليسامح طرفة قاتله بعد نجاته (بسبب كوم اللحم الذي يعيش على ريع المحل) كما سامحت الدولة الكثير ممن قاموا عليها وأعطتهم فرصة لإعادة اندماجهم في المجتمع فاستغلو الأمان لزرع المفخخات والمشاركة في اغتيال النخب السورية..

أما الجدان فهما قادمان من زمن الإستقلال الجميل، أحدهما يمثل نموذج الريفي البسيط والطيب والثاني نموذج مديني لزمن ماقبل سيادة التكنولوجيا والآيديولوجيا، ويشكلان نبع الوطنية الذي تدفقت منه السلالات السورية وحاضنة التعايش والتفاهم وشجرة الأخلاق التي توقفنا عن التفيؤ بظلال رحمتها ..

الحبيبة "عفاف" نموذج للمرأة السورية الحرة التي تختار رجلها "طرفة" وليس العكس كما جرت العادة في المجتمعات الشرقية حيث تنتظر الدجاجة أن يختارها ديك ما ليضيفها إلى حريمه، كحال زوجة أخيها بياع الموبايلات التي تتبعه في كل مكان دون أن تفتح فمها أو تعلن عن حضورها طوال مدة الفيلم..

يبدأ الفيلم بمشهد دمشق ويختتم به ، ذلك أن دمشق هي المصب الأخير لمسيرة كل الأنهار و الينابيع السورية، منذ أن كانت بحيرة ماء بعد العصر الجليدي إلى أن غدت بحيرة الثقافة السورية وعصارة إبداع السوريين الذين يسبحون في مائها الذي عكرته المعارضة وحلفاؤها الغربيون، إذ تكاتفو على قتل الحب وتخريب البيئة الملائمة لاحتضانه عندما أطلقو النار في نهاية الفيلم على العاشقين الجميلين لينهوا أي أمل لنا بولادة مجيدة لسورية الجديدة.

قد يرى البعض أن المخرج يقود الأحداث ويتدخل بها لتبدو بعض أحداث الفيلم لاواقعية، غير أن هاذي الحرب برمتها لامنطقية ومجنونة، وقد سمعنا قصصا أكثر غرابة مما قدمه عبد اللطيف في فيلمه "أنا وأنت وأبي وأمي والحرب التي مزقتنا".. أوقفو الحرب ونادوا للحب لعله يعود ليحلق في سمائنا كسرب الحمام في المشهد الأخير لدمشق الجريحة..

يعرض الفيلم حاليا بسينما سيتي بدمشق ويمكن للشباب أن يستمتعو بجمال البطلة وصوتها العذب كما يمكن للصبايا أن يذرفن الكثير من الدموع.. فلا تفوتوه

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...