هيام حموي: إذاعيّة خاصّة جدّاً

09-03-2016

هيام حموي: إذاعيّة خاصّة جدّاً

كرّست هيام حموي نفسها كإحدى أيقونات الإذاعة العربيّة على مدى 48 عامًا. بالنسبة لها الإذاعة فنّ من الفنون، وليست مجرّد عمل. لم تكن تدرك في بداياتها سحر صوتها، فدرست الأدب الفرنسي، وطمحت للعمل في السلك الديبلوماسي، ولم تحلم بالمجال الإذاعي، لكنّ مصادفةً قلبت حياتها رأساً على عقب. ففي العام 1968، حين كانت على مقاعد الدراسة، نصحتها زميلتها بالعمل كمذيعة باللغة الفرنسية في إحدى الإذاعات، لتأمين مصروفها اليومي. كان لها خلال تلك الفترة أيضاً تجربة تقديم برنامج بالعربيّة في «إذاعة دمشق»، من إعداد الناقد والمؤرخ الموسيقي الراحل فاهيه تمزجيان (1945 ـ 2011). سافرت إلى فرنسا لإعداد رسالة الدكتوراه في العام 1971، بعدما تفوّقت على دفعتها في «جامعة دمشق»، لكنّها اختارت التفرّغ للعمل الإذاعي بدلاً من نيل الشهادة. تقول  إنّها ستعمل على نيل الشهادة بعد التقاعد من العمل الإذاعي. «أؤمن بالتفرّغ، لذلك آثرت أن أمنح وقتي وجهدي للإذاعة». في مقابلة مع زياد الرحباني

«بنك الصداقة» والسنوات الذهبيّة
عملت حموي في القسم العربي لـ «إذاعة باريس»، ثمّ انتقلت إلى إذاعة «مونت كارلو» في العام 1972، وسجّلت الإعلان الترويجي لافتتاح الإذاعة بصوتها. عبر أثير «مونت كارلو» قدّمت برامج عدّة، منها «أحلام ذهبية»، و «بنك الصداقة» الذي نال شهرة كبيرة في العالم العربي، و «يوميات مذيعة في باريس».
تتذكّر حموي برامجها القديمة، بكثير من الشغف، منها برنامج «أغاني ومعاني» وهو عبارة عن ترجمة أغاني فرنسية وإنكليزية للعربية والغوص في معانيها، بجانب سلسلة حوارات مع الشاعر نزار قباني بعنوان «خمسون عاماً من الشعر»، وتتوقّف عند برنامج «إذاعة خاصّة جدّاً». «في ذلك البرنامج كنت أترك للضيف حريّة تقديم إذاعته الخاصة بمعنى أن يحكي عن نفسه ومسيرته، ويستضيف من يرغب. استطعت إقناع الراحلة سعاد حسني بأن تقدّم إذاعتها الخاصة من خلال عشر حلقات واستضافت خلالها عالم فضاء، ومحلّلاً نفسياً، وخبير كومبيوتر، وخبير ريبورتاجات، وغيرهم، وكنت مساعدة لها». تتذكّر حموي أيضاً برنامج «يحيا الراديو»، فتقول: «كتب المونولوجيست العراقي عزيز علي في الثلاثينيات أغنية «الراديو رمز الحريات» واعتمدتها شعاراً لبرنامج «يحيا الراديو» لأحكي عن الإعلام وتاريخ الراديو وما زلت أقدّم هذا البرنامج في إذاعة «شام أف أم» حاليّاً، وأقدّم من خلاله ومن أرشيفي أهمّ ما قيل». تلفت إلى أنّ فكرة الأرشيف ستكون نواة مشروعها المستقبلي «متحف الصوت» الذي تعمل جاهدةً على تحقيقه.
تستعيد حموي الحوارات التي أجرتها خلال مسيرتها وتقول إنّها لم تبحث عن مُحاوَرة مشاهير، بل المبدعين في مجالاتهم، خصوصاً علماء الرياضيات والفيزياء العرب. «يعنيني الحديث عن دور العلوم في حياتنا وعن هجرة الأدمغة، وكنت وما زلت أبحث عن الوعي من خلال عملي الإذاعي، أردت وأريد أن تسمع الناس فكرة تساهم في تغيير الواقع نحو الأفضل، وتقديم ما هو مفيد من خلال حديث إذاعي بسيط ومباشر».
لا تحب حموي تقديم برامج المسابقات: «وصلتُ إلى آخر زمني الإذاعي ولا تستهويني المسابقات. أرى أنّ هذه البرامج فتحت الباب أمام تدخّل رؤوس الأموال في مضمونها، إذ يعتقد المعلن أنّه أفضل ممن يعدّ البرامج، ويفرض شروطه في نوعيّة الأسئلة. توقّفت عن تقديم المسابقات كي لا أقدّم ثلاثة احتمالات فيها الجواب واضح ومن ثّم أقول برافو».

الإذاعة أهمّ من الأشخاص
بعد عشرين سنة، انتقلت هيام حموي من «مونت كارلو» إلى «إذاعة الشرق» من باريس، حيث عملت لعشر سنوات، وقدّمت برامج منها «دردشة فوق السين»، وآخر بُثّ العام 1999، في وداع القرن العشرين، استضافت فيه 30 شخصية عربية للحديث عن إنجازاتها خلال القرن الماضي. غادرت حموي «الشرق» في العام 2001، وغابت لستّ سنوات عن العمل الإذاعي. وحتّى اليوم، لم تذكر أسباب مغادرتها الإذاعة. «في تلك الفترة عملتُ في الصحافة الإلكترونية وفي مجال التدريب الإذاعي، كنت حزينة بعيداً من ميكروفون الإذاعة، وحاولت إقناع نفسي بأنّ مشواري انتهى، وفكّرتُ بنيل شهادة الدكتوراه المؤجّلة، لكن اتضّح بعد ذلك أن المشوار مستمر. سأنشر سبب مغادرتي الإذاعة في كتاب يروي مسيرتي، وأفضّل عدم التطرّق له اليوم، احتراماً لكلّ الأماكن التي عملت فيها. سأورد القصّة في الكتاب، ليس من باب التشهير، بل من باب الحديث عن تحوّلات الإعلام مع تغيّر الظروف العامة السياسية والدولية».
ترى هيام حموي أنّ الأولويّة في العمل الإذاعي، ليست للمذيعة أو المذيع أو البرنامج، بل للمؤسسة الإعلاميّة. «اسم الإذاعة أهمّ من أسماء الأشخاص. أفضّل أن يسأل المستمع من هي التي تقدّم «بنك الصداقة» في «مونت كارلو» لا العكس، فالمهم فكرة البرنامج وليس اسمي، وإذا بحث الناس عني فهذا يعني أنهم أحبوني، عملي هو الأساس والثمن جهد كبير». أمّا عن رأيها بالمنافسة فتقول: «كل شخص لديه طريقة في التقديم والفن الإذاعي يستوعب كل الأمزجة». تعترف بأنّها شعرت بالغيرة قليلاً حين حاز زميلها الراحل حكمت وهبي على مقابلة مع فيروز في «مونت كارلو»، إلّا أنّها تقول: «حكمت يليق بفيروز».

«شام أف أم»: آخر العنقود
تصف حموي إذاعة «شام أف أم» بابنتها الإذاعية الثالثة وآخر العنقود. يتساءل كثيرون إن كانت تملك أسهماً في الإذاعة التي تعمل فيها حاليّاً، فتجيب «لي أسهم عاطفية بنسبة كبيرة، وقدّمت برامج عدّة منها «نثرات من ذهب»، ووثائقيات عن فيروز تحت عنوان «الحاكي» من تسعين حلقة، وبرنامج «المسرح المستحيل» وهو إشراك المستمعين في حالة من الخيال على سبيل المثال في حال التقى عمرو دياب مع أم كلثوم ماذا يحصل، و «يحيا الراديو» فضلاً عن فقرات منوّعة. مدير الإذاعة سامر يوسف لديه تصوّر لإذاعته وأقدّم اقتراحات لإقامة التوازن بين الأخبار وبرامج المنوعات في فترة الحرب، فمهمتي هي الإشراف على القالب الفني للإذاعة».
قدّمت حموي خلال مسيرتها عدداً من النشرات الإخبارية خلال فترة الحرب على فييتنام، لكن قيل لها يومها إنّها رومانسية في تقديم الأخبار. «لم أجد نفسي في تقديم الأخبار والمجال الإخباري لا يسمح بالتحليق في الخيال».
تشعر حموي بالقهر في حال خيّبت أمل أحدهم، من هنا تقول «أسعى دوماً إلى عدم تخييب الآمال من خلال ما أقدّمه. أزعجني أنّني خيّبت آمال بعض المستمعين إذ تخيّلوني شقراء طويلة من خلال صوتي». إلى جانب «متحف الصوت» هناك روايات عدّة في أدراج حموي، وكتاب يوثق رحلتها الإذاعية وهي عاشقة قصة «الأمير الصغير» للكاتب أنطوان دو سانت اكزوبيري لما فيها من خيال وتتمنى لو أنها هي مَن كتبتها. لطالما هربت حموي من الاحتفالات إلا أنّها تفكّر بالاحتفال بنصف قرن من مسيرتها المهنية على طريقتها، وهي متفائلة على الدوام وترفض الواقع، وتنتظر عودة الحياة إلى طبيعتها في سوريا.

فاتن حموي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...