السوري والكهرباء: دوّامة الشكوى.. والوزارة
يجد السوريون أنفسهم محاصَرين من كل الاتجاهات مع بداية الشتاء، حيث أصبحت مفردة «أزمة» متلازمة لا يمكن الانعتاق منها في كل ما يحياه السوري (أزمة وقود، أزمة غاز، أزمة كهرباء، أزمة مواصلات، أزمة برد..).
لكن شكوى الكهرباء التي لا يراها السوريون إلا كالضيف المستعجل، كما يُقال، باتت الأعظم بين كل تلك الأزمات، وخاصة في فصل الشتاء، كونها الملاذ الوحيد لهم مع موجات الصقيع، وانعدام قدرة المواطن تقريباً على تأمين وقود للتدفئة وارتفاع سعر اسطوانة الغاز نسبياً.
«يقطعوها بس يخلونا نتهنّى فيها لما تجي!». بهذه العبارة أجاب عامر، الذي يسكن جرمانا، عند سؤاله عن وضع الكهرباء في منطقته، والتي يطبق فيها برنامج التقنين على أساس أربع ساعات انقطاع مقابل ساعتي تغذية فقط.
ويقول عامر إنهم «تأقلموا مع ساعات الانقطاع الطويلة، لكنهم يطلبون فقط انتظام ساعات القطع والتغذية، فحتى الساعات المحسوبة عليهم كمدّة تغذية لا تكون نظامية، وتشهد فترات انقطاع أيضاً»، وهذا ما اشتكى منه سكان المزة 86 ومنطقة جبل الورد والمعضمية أيضاً، ومعظم هذه الأحياء هي مناطق سكن عشوائية، كما هو معروف.
أم خالد، وهي من سكان المزة 86، تقول «منذ عامين لم أستطع تأمين المازوت لبيتي. فما الحلّ؟ أنا مضطرة لاستخدام مدفأة الكهرباء، لديّ أطفال لا يتحملون هذا البرد».
ويعتقد سكان هذه المناطق أن التعاطي في مسألة الكهرباء يقوم على أساس أهمية المنطقة وسكانها، وغالباً ما يضربون أمثلة عن فترات التقنين في أحياء المالكي والمهاجرين وأبو رمانة، التي لا تقارن طبعاً بمثلها في مناطقهم.
وزارة الكهرباء تجيب دائماً على تلك الاعتراضات بأن التغيّر الجغرافي وتوزّع السكان العشوائي، وانتقال العديد من العائلات من المناطق الساخنة والمتوترة أمنياً إلى مناطق آمنة، تسبب بازدياد الكثافة السكانية بشكل كبير جداً في مناطق على حساب أخرى، ما خلق أزمة حقيقية في الكهرباء، وبالتالي ازدياد ساعات التقنين في هذه التجمّعات، نظراً للكميات الكبيرة التي يتم استجرارها بشكل نظامي أو حتى بطرق غير مشروعة.
ويقول مصدر رسمي في وزارة الكهرباء، إنه «ونتيجةً لاستهداف منشآت النفط والغاز، فقد انخفضت إمدادات الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء من حوالي 35 ألف طن مكافئ نفطي يومياً قبل الحرب إلى نحو 10 آلاف طن مكافئ نفطي يومياً في الوقت الحالي، ولقد انخفضت حالياً واردات الغاز إلى محطات التوليد إلى نحو 6.8 ملايين متر مكعب يومياً في حين كانت الواردات نحو 20 مليون متر مكعب يومياً قبل الحرب، الأمر الذي أدى إلى تقلص الاستطاعة التشغيلية لمحطات التوليد القائمة من حوالي ثمانية آلاف ميغاوات إلى ما بين 1500 و1800 ميغاوات حالياً. وانخفضت الطاقة الكهربائية المنتجة يومياً من حوالي 130 مليون كيلووات ساعة إلى حوالي 40 مليون كيلووات ساعة وسطياً، ما تسبب بفرض تطبيق برامج التقنين الكهربائي الطويلة على جميع المحافظات».
وبحسب الأرقام الرسمية للوزارة فقد بلغت القيمة التقديرية للأضرار المادية المباشرة التي لحقت بقطاع الكهرباء في سوريا نحو 381 مليار ليرة سورية. كما قُدرت الأضرار غير المباشرة على الاقتصاد الوطني، الناجمة عن انقطاع الكهرباء بسبب الأوضاع والاعتداءات المباشرة، بنحو 1700 مليار ليرة سورية.
من جهة أخرى، فإن إصلاح خط الغاز في منطقة القريتين في ريف حمص انعكس بشكل إيجابي على الكميات المولّدة، حيث يعيد هذا الخط وحده حوالي 15 إلى 25 في المئة من كميات الكهرباء التي تمّت خسارتها، كما أن إصلاح خط الغاز شرق حمص يعيد أيضاً حوالي 20 في المئة من النسبة التي تمّت خسارتها.
أما مدينة حلب التي تعيش في ظلام تام منذ أكثر من 55 يوماً على التوالي، فقد أكدت الوزارة بأنها تعمل على وصل خطوط توتر عالٍ من المنطقة الوسطى لإعادة التيار الكهربائي إلى المحافظة.
من البديهي أن يلجأ السوريون اليوم إلى الاعتماد على الكهرباء، رغم ساعات انقطاعها الطويلة، لأغراض التدفئة والطهي بسبب صعوبة تأمين وسائل بديلة، لكن ذلك يتسبّب بزيادة الأحمال على الشبكة الكهربائية، الأمر الذي يعرّضها للتلف والاحتراق، بالإضافة إلى زيادة العجز الكهربائي، وبالتالي زيادة ساعات التقنين وعدم استقرار التغذية الكهربائية ليخرج المواطن من الحسبة خاسراً من جديد!
سناء علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد