زياد الرحباني: الجمهورية B- صفر
سيكون للدروز أخيراً، في الجمهورية المقبلة، موقعٌ لا يقاسمهم أو يشاركهم فيه أحد. والحمد لله. سيكون لهم ولاية في المكان والزمان أيضاً. ولله الحمد. ولاية في الحياة الأولى ما بعدها في التقمّص. لن يضطر الدروز بعد اليوم، للتعاطي أو الاختلاط بأيّ ملّة أخرى، حتى ولو محمّديّة. فقد عاشوا الجمهوريات السابقة وشافوا، سيكونون في موقعٍ يحسدون عليه، موقعٍ واضحٍ نضرٍ نقيّ لأنه عالٍ عن سطح البحر، هذا البحر الأبيض المتوسط الملوّث الغارق في نفسه أولاً، أما بعد ففي جشع وعهر الطوائف اللبنانية اللادرزية. هذا البحر المتوسط الملوّث بالمال الحرام، هذا البحر الأبيض الذي لا بياض فيه إلاّ في المصارف. سيتفرّج الدروز من جبلهم على تيك الطوائف وهي تدور بعضها حول بعض تتناتش ليلاً بقايا المشترك بينها في بيروت، هناك، في مربع سوليدير الكبرى، الهرمة والشمطاء العاهرة والقحباء، سيتأملون في بيروت فاسقةٍ كآخر أيام بابل، بحسب التوراة، برجٍ لبابلَ في الألفيّة الثالثة، يدور فيه «الدولار» اللبنانيّ اليائس، ممزوجاً بالتينر والفيول. وذلك حول مجمّعاتٍ للدعارة الخلاسية الجماعية. سيشهدون من عنفوانهم والعلياء، على أبراج «بابل الكبرى الإدارية» وهي تكاد تنهار بلوطييها العلمانيين ومن تلبّد السحاق واللحاق والغلمان والهيرويين. بابل يصعب فيها التمييز بين المواطنين والمجنّسين، بين السياح المثاليين والمتملّكين. فالكل هناك، من بني قريش وأهل الجزيرة العربية إلى الغساسنة والحمامصة والحلبيين الموارنة والعلويين اللبنانيين. من البلقان الأرمن إلى السريان واللاتين، من الفرس وبني مَتْوَلْ، إلى الإماراتيين والعُرْب، إلى الكلدان والآشوريين، من بني يهودا وفلسطين إلى مهاجري الفراعنة حتى بني الحبشة وصولاً إلى الفلبينْ، الكل هناك إلاّ هُمُ، والعقلُ والدينْ. سيحتضن بنو معروف في جبلهم الشامخ، إلى جانب العقل والدين، الحكمة، التي بها سيحكمون أنفسهم. ستكون مشيخة العقل، لبَّ المجتمع الروحيّ الدنيويّ، المؤمن بالطبيعة والإنسان. وسينشأ إلى جانب المشيخة، ديوانٌ للحكماءِ والعقلاءْ، يحكمُ بالزّهدِ، بالتأمّل وبطول الروحْ. ينسّق أمور الولاية عند الضرورة مع مجلس النواب الساحليّ اللبنانيّ في الأحداث المصيرية والكوارث الطبيعية. كمثلِ مؤامرة التوطين إن استجدّت، أو كالصراع المسلّح المحتمل بين قوات اليونيفيل الدولية من الليطاني إلى العاصي، هذا إذا توسّع، أو كالأعاصير أو الزلازل، ما عدا ذلك لن يكون للمواطن الدرزيّ أيّ حاجة لمغادرة الجبل نزولاً سوى نزواته الشخصية، والدنيويّ السيّئ منها بالتحديد. كما أنه لن يكون للغير مكانٌ في الجبل الدرزيّ، وهذا ما سيميّزه ويريحه. سيكون نظام الجبل هذا: حكمُ «الإقطاع الشرعي»، لكن الوطني، ذو وجه اشتراكي، ربما دولي. نظامٌ ترْبى في عزّه، فئتان أساسيتان: إقطاعيو الاشتراكية والارسلانية من جهة، وعامّة الشعب والمشايخ، هكذا وبكل خفر وبساطة. بذلك سيكون الدروز الأكثر هناءً ورخاءً، سيكونون الأعلى صفاءً وعداءً. فهم لن يرضوا بعد اليوم أن يعكّر صوتَ صنوبرةٍ مشركٌ باسم «اللُّحمة» أو «الألفة»، لن يسمحوا بعد الذي عانوه من تحالفات مؤسفة، أن يطأ ترابَهم تائهٌ باسم التحالف الرباعي ولا حتى الثنائيّ، كما سيُحرَّم لفظ كلمة «بريستول». سيتشدّد الدروز في احتمال الاختلاط المجاني تحت شعاراتٍ واهيةٍ كالعدو الصهيوني المشترك، فمن أهم ميّزات ولايتهم، أن إسرائيل لن تفكّر في ضربها أو حصارها يوماً، فهي تاريخياً لم تفعل، وإن فعلت، جزئياً، فبسبب لبنانيين آخرين، غير دروز، غرّروا بأهل الحكمة في الجبل وجرّوهم إلى معارك طواحين وهمية وانتصاراتٍ، كالمسمّاة: إلهية. هم بالتالي سيفكرّون ملياً في جدوى بناء جيش نظاميّ، والأرجح ألاّ يفعلوا، فالكثير من إقطاعييهم البارزين يكرهون العسكر ونظامه والأجهزة واستعادة قصر بيت الدين من قبل الدولة البوليسية والتجنيد الإجباري. لكنهم سيكونون بالمقابل، وبالمرصاد لمحيطهم، خاصةً لبني مارونا، وقد سيطروا على مؤسسة الجيش اللبناني، (كما ورد سابقاً)، واختلوا بقراراته لأنفسهم. وقد أثبت الدروز في التاريخ الماضي، أنهم لا يحبون المزح مع الموارنة، والشعور متبادل. فمنذ العام 1860 مروراً بمعارك بحمدون مع الميليشيات المسيحية أوائل الثمانينيات حتى تحالفات الغدر والقهر أوائل الألفية الثالثة، تحت شعارات: حريري!، حريّة سيادة استقلال!، كل ذلك غصباً، مع قوات سمير وبشير ومريم وجميع القدّيسين، في ساحة للحريّة وثورةٍ للأرز في آذار الغدّار.
لقد غُدِرَ الدروزُ حقاً، ومن أقرب الأقربين، وسيكون لشهر آذار في الجبل طقوسٌ صوفيّة خاصّة لا مكان فيها لا للثمانية ولا للأربعطعش، ذكرى للتحرّر من الذات الجماعية اللبنانية ومن جمهورية الـ43 البائدة، سيواجهون حلفاء الماضي الماكرين بالصبر والتأمّل، سيواجهون لغة الضاد بلغة القاف وسينتحون عن الوطن ـــ الحلم إلى الجبل ـــ الأم ويستبدلون الأرزة الذابلة بالصنوبر الأخضر! ستكون ولايةً نباتيّة بامتياز، طبيعية، ولايةً مدنيةً زراعية، إذ لا عسكر فيها، لا قمع فيها إلاّ قمع الذات للذات. ولايةٌ غنيةٌ بالنحل والطيور فلا تلوّث فيها ولا فنادق، لا حاجة فيها لمشتقات النفط، فهي تعيش على الطاقة الشمسية ومشاتل أكرم شهيّب، ولايةٌ يُمنع فيها العسل المغشوش والزيت المغشوش والتفاح المرشوشْ، وطنٌ صغيرٌ يُسلقُ فيه كلّ شيء إلاّ القرارات، حتى يتطهّرْ...
أعزائي، إن هذا المستقبل الزاهر، الواعد، لن يتمّ، لسوء الحظ، إلاّ بعد الإقدام على خطوة تاريخية كبيرة بكبر الآمال المعلّقة على هذه الولاية، ألا وهي: 1 ـــ إخلاء المتن الجنوبي من غير الدروز، مدنيين وعسكريين، بالقوّة أو بالتوافق. 2 ـــ إعادة تهجير المهجرين العائدين من حيث أتوا، بالمحبة والإيمان، ولمرة واحدة ونهائية، لا تهجير بعدها. 3 ـــ بناءً عليه، إقفال مكتب الصندوق المركزي للمهجرين في الصنائع وفي الظريف، ذلك بعد إلغاء الحقيبة الوزارية ــ العبء، المختصة.
(يتبع يوم الجمعة 5\1\2007: في الشيعة)
زياد الرحباني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد