60% من عمّال العالم «غير رسميّين» والأزمة تفاقم فقرهم
يبلغ عدد الأشخاص الذين يعملون بطريقة غير رسمية، أي من دون عقود رسميّة وضمان اجتماعي، 1.8 مليار نسمة، أي أكثر من العمّال والموظّفين المتمتّعين بذلك «الترف» بنسبة 33 في المئة، ويمثّلون بالتالي 60 في المئة من قوّة العمل الكونيّة.
فظروف العمل الصعبة التي تخلقها بنيوياً العولمة في جميع أصقاع الأرض، تؤدّي إلى عدم تمكّن العمّال «الفائضين» من الحصول على امتيازات تعدّ أساسيّة بحسب معايير حقوق الإنسان. فكيف بالأحرى إذا وصلت تلك العولمة إلى مرحلة ركود يعدّ الأخطر على الرأسماليّة منذ الحرب العالميّة الثانيّة؟
معدّل البطالة يتوقّع أن يتجاوز الـ10 في المئة في البلدان الصناعيّة، كما يُرجّح تقلّص اقتصادات تلك البلدان بنسبة 4.3 في المئة خلال العام الجاري. وهذا النمط هو نفسه الذي ستشهده العديد من البلدان الأخرى (النامية والفقيرة) بمقاييس تحدّد وفقاً لتعقيدات التنمية والفقر المدقع، ولهيكليّات اقتصاداتها.
عقود العمل والضمان الاجتماعي أضحت تعدّ ترفاً حقيقياً لعمّال العالم (ليس فقط في البلدان النامية والفقيرة) نظراً إلى أنّ أكثر من نصف أولئك العمّال لا يتمتّعون بها. هذه المسألة أضاءت عليها منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير أصدرته أمس، بعنوان «هل العمالة غير الرسميّة طبيعيّة؟» (?Is Informal Normal).
والخطير هو أنّ عدد هؤلاء العمّال المهمّشين (حتمياً) يتوقّع أن يزيد بمعدّلات قياسيّة خلال العقد المقبل. ففي ظلّ مضيّ المؤشّرات الماكرو اقتصاديّة والنموّ السكّاني بالنمط المسجّل نفسه، يتوقّع التقرير أن يمثّل العمّال غير الرسميّين ثلثي قوّة العمل الكونيّة في المستقبل.
والأكثر خطورة هو أنّ حلقة الفقر الموجودة حالياً، ستتوسّع بحسب التوقّعات المطروحة. والتقرير يحذّر من أنّ العمّال والموظّفين الذي يعيشون برواتب وأجور منخفضة في البلدان الفقيرة والنامية، سيزدادون وسيجدون أنفسهم عند مستويات أدنى من تلك التي أساساً تحدّدهم بأنّهم فقراء أو «ذوي دخل محدود».
فالغالبيّة من الـ1.4 مليار فقير حول العالم تعتمد على قوّة العمل من أجل العيش. وانخفاض الأجور وتقديمها في باقة من دون الضمانات الاجتماعيّة والحماية سيجعل أهداف الألفيّة التي وضعتها الأمم المتّحدة لتحقيق التنمية حول العالم، حلماً بعيد المنال، في المدى المتوسّط بالحدّ الأدنى.
يشدّد التقرير على 3 نقاط يعدّها مهمّة لاستخلاص النتائج والتوصيات في ما يتعلّق بنوعيّة العمل في عالم ما بعد أزمة الائتمان الشهيرة والركود.
الأولى هي أنّ العمالة غير الرسميّة تعدّ الشكل الأكثر شيوعاً من التوظيف في البلدان الفقيرة. فهذا النشاط الإنتاجي المستثنى منه القطاع الزراعي، يمثّل 75 في المئة من الوظائف والأعمال في جنوب الصحراء الأفريقيّة، وأكثر من الثلثين في جنوب وجنوب شرق آسيا، و50 في المئة في أميركا اللاتينيّة والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كذلك فإنّ هذا الشكل من العمل يشمل ربع الوظائف الإجماليّة في الاقتصادات المتحوّلة.
واللافت هو أنّه إذا تمّ احتساب الزراعة في تلك البلدان (وهو قطاع أساسي في معظمها)، فإنّ نسبة العمالة غير الرسميّة تصبح نحو 90 في المئة من العمل الإجمالي في جنوب آسيا مثلاً.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ تلك البلدان تعاني أساساً لتطوير عمليّات التنمية البشريّة والنموّ الاقتصادي الفعّال (لمصلحة الفقراء وضمن القطاعات الصحيحة). وإذا كان نصف عمّالها تقريباً يفتقدون إلى الحماية الاجتماعيّة، فإنّ الأزمة الاقتصاديّة ستؤدّي إلى مضاعفة الانعكاسات السلبيّة.
النقطة الثانية تفيد بأنّ أكثر من 700 مليون عامل غير رسمي في العالم يعيشون على أقلّ من 1.25 دولار يومياً، ونحو 1.2 مليار من هؤلاء العاملين يكتفون بأقلّ من دولارين يومياً، ما يعني أنّ دوّامة العمل غير المضمون ترتبط مباشرة بالفقر، وأي تطوّر في هذه الظاهرة سيؤدّي إلى مضاعفة معدّلات الفقر وفقاً للمقاييس النسبيّة للتطورّ الاجتماعي الاقتصادي.
أمّا النقطة الأخيرة والأهمّ التي يركّز عليها التقرير، فهي أنّ حصّة العمالة غير الرسميّة نسبة إلى العمالة الإجماليّة تنحو إلى الارتفاع في وقت الأزمات. فالشركات تبحث عن خفض الأكلاف من خلال إعادة هيكلة الوظائف، ناهيك عن موجة إلغائها.
ومن هذا المنطلق، يدعو التقرير إلى اعتماد إجراءات طارئة وغير تقليديّة لخلق وظائف بـ«نوعيّة جيّدة». ليت تلك الهواجس كانت وضعت في السابق لكان تأثّر الفقراء، «الذين لا دخل لهم بالأزمة»، أقلّ نسبياً، لأنّه من المعروف أيضاً أنّ إجراءات التنمية تصبح ضعيفة الفعاليّة في أوقات الأزمات أيضاً!
- يشير التقرير الذي أعدّته منظّمة الـ«OECD» إلى أنّ العمالة غير الرسميّة تمّ رصدها بدايةً في سبعينيّات القرن الماضي. وتركّز النقاش حينها على مجموعة صغيرة من البلدان المتوسّطة الدخل، التي لا تتمتّع مؤسّساتها العامّة المعنيّة بالشأن الاقتصادي الاجتماعي بمستويات جيّدة من التطوّر والمكننة. والحقيقة اليوم تبدو مختلفة لأنّ العمالة غير الرسميّة غدت طبيعيّة، ليس فقط في البلدان المتوسّطة الدخل بل في البلدان الغنيّة أيضاً وتحديداً في بلدان المنظّمة حيث تؤدّي العولمة إلى ارتفاع مستوى منافسة بين الأمم والصراع على الوظائف.
حسن شقراني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد