قبور طابقية حتى ثلاث طوابق… جديد محافظة دمشق

20-07-2020

قبور طابقية حتى ثلاث طوابق… جديد محافظة دمشق

إنه يقع في الصف الأول.. قريب من الباب الرئيسي, وإلى جواره سبيل ماء.. أعزاءنا القراء، إنه ليس عرض لبيع شقة فخمة في منطقة راقية بدمشق, ولكنها مفاصلة وتقديم عرض لبيع أحد القبور في مقابر العاصمة, ويتابع القائم بالبيع حديثه مع الشاري عندما قال له هذا الأخير إنه مهجَّر ولا يملك ثمن مثل هذا القبر: إن كان ثمن هذا القبر غالٍ فيوجد عندي قبر آخر لكنه “حشوة” وفي منتصف المقبرة.. يصعب الوصول إليه وبسعرٍ أقل.. حوار ربما أصبح عادياً على أبواب مقابر دمشق، وربما أيضاً بات بيع القبور يندرج ضمن سوق العقارات..

أول الكلام

لم تترك الأزمة باباً من أبواب الحياة في سورية إلا وطرقته, حتى وصلت سمومها إلى المقابر، ورفعت من أسعار القبور التي بات نزلاءها يضاهون نزلاء فنادق الخمس نجوم, ويحضرنا هنا قول أجدادنا عندما كانوا يريدون الإشارة إلى رجلٍ قد توفي بأنه معدم الحال فكانوا يقولون لم يترك لأولاده سوى القبر الذي نزل فيه, لكن اليوم تحوَّل هذا القبر إلى ثروة حقيقية إذا ما علمنا أن سعر القبر الواحد في مقبرة (باب الصغير) مثلاً والقريبة من باب الجابية وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين ليرة سورية..

حكايا الناس

رغم صعوبة الموقف ولدى زيارتنا لمقبرة كفرسوسة وبعد أن قدمنا له واجب العزاء بوفاة والدته قال السيد (أبو هشام) والقادم من محافظة دير الزور إن كان قد لاقى صعوبةً في إيجاد قبر لدفن والدته فقال: رحمها الله.. منذ أن وطأة أقدامنا العاصمة قبل أربعة سنوات باعت المرحومة ما تملك من قطعٍ ذهبية واشترت هذا القبر، وقالت لنا أنها لا تريد أن تكون عالةً على أحد حتى بعد وفاتها, لقد دفعت ثمنه آنذاك ثلاثمائة ألف ليرة سورية، بينما وصل سعره حسبما قال لنا حفار القبور اليوم إلى أكثر من مليون ليرة سورية.

ظواهر مدهشة

هي عادة قديمة لدى الدمشقيين (استضافة المتوفى كزائر) فعندما يريد شخص ما أن يقوم بدفن أحد موتاه ولا يجد قبراً ليضم ثراه, فمن الممكن استضافة المتوفى في أحد القبور بعد أخذ إذن صاحب القبر أو ورثته, ويقال عن المتوفى في هذه الحالة أنه ضيف, لكن الغريب أنه حتى هذه الخصلة الحميدة قد تحولت إلى تجارة من قبل بعض الناس لينضموا إلى ما بات يُعرف بتجار الأزمة, فبعض الأشخاص قاموا بشراء عدّة قبور في المقابر الحساسة من مدينة دمشق وباتوا يؤجرون هذه القبور ولمدة خمس سنوات مقابل مبالغ قد تصل إلى ثلاثمائة ألف ليرة سورية..قبور بثلاثة طوابق

جديد محافظة دمشق لحل أزمة القبور كان بإنشاء قبور طابقية (حتى ثلاثة طوابق) وقد حاولنا معرفة تاريخ بدء السماح ببناء مثل هذه القبور، وإن كانت كل مقابر دمشق قابلة لبناء قبور طابقية، وما هي الشروط التي يجب توافرها لذلك؟.. والاستفسار عن الأسعار الحقيقية للقبور، وهل يجوز بيع القبر أو التنازل عنه؟.. فأشار لنا مصدر خاص أن القبور داخل العاصمة أصبحت بأسعار خيالية نظراً لقلتها مع عدم وجود مساحات جديدة ليتم تخصيصها لهذه الغاية, ناهيك عن أعداد المواطنين الهائلة التي نزحت صوب العاصمة نتيجة الأحداث التي عصفت بالبلاد من المناطق الساخنة، إضافة إلى ظاهرة جديدة بدأت تطفو على سطح الأحداث وهي شراء بعض الناس الأحياء المتقدمون بالسن لمرقدٍ لهم يؤويهم بعد موتهم..

فيما أشار مصدر آخر أن المقابر ضمن الحيز الجغرافي لمدينة دمشق لم تعد تستوعب حفر أيُّ قبرٍ جديد, وقال المصدر إن البديل الحالي والمتوافر حالياً هي المقبرة الجنوبية الجديدة في منطقة الحسينية (نجها), والتي باتت مؤخراً تلقى إقبالاً من المواطنين لدفن موتاهم وبأسعارٍ رمزية إذا ما قُورنت بأسعار قبور العاصمة وريفها, لكن يبقى هناك بعض المواطنين يصرون على دفن موتاهم ضمن مقابر العاصمة لسهولة زيارتها أو تنفيذاً لوصية المتوفى وهذا ما يزيد من أسعار القبور في مقابرها…

وقد أشار المصدر أن محافظة دمشق سمحت بإنشاء قبور بثلاثة طوابق بعد أن سمحت سابقاً بإنشاء قبور بطابقين، حيث يستطيع المواطن الحصول على إذن أو ترخيص من محافظة دمشق لتتم معاينة القبر فيما إذا كان قابلاً للتوسع به كخطوة جديدة لاستيعاب عدد الأموات في المدينة..وجهة نظر شرعية

الدكتور عبد الله كتمتو أستاذ في معهد الدراسات الإسلامية في دمشق، ومدرّس في جامعة الدعوة الإسلامية في لبنان أوضح أن بداية الشرط في نزول ميتٍ على آخر هو فتح القبر بحيث تكون الجثة السابقة قد فنيت، ونتيجة الظروف التي عصفت في البلاد بدئنا نسمع عن ترخيص قبور طابقية، وهي عبارة عن لحد، وهنا نحن نفتح الحفرة التي توصل إليه، ومن ثم يتم فتح الطابق المراد إنزال الميت فيه من جانبه من خلال فتح الجدار الجانبي فقط، فالضرورات تقدر بقدرها، وإذا كانت القبور الطابقية على هذه الشاكلة فلا يوجد مشكلة..

ختاماً

مصيبة أهل المتوفى اليوم لا تقتصر على فقدانهم لعزيزٍ غادرهم, ولكن الأهل ومن منطق حرصهم على تكريم متوفاهم بالصورة اللائقة يحملون أعباءً تفوق في كثيرٍ من الأحيان قدراتهم المادية من أجل الحصول على مساحة أرض لدفن الميت وخاصة في مقابر دمشق, ناهيكم عن تكاليف ورسوم الدفن الذي ارتفع خلال سنوات الأزمة، ولا بد لنا أن نذكر أن الأحداث الأخيرة التي تعصف بالبلاد زادت ورفعت من معدلات الوفيات بشكلٍ كبيرٍ وملحوظ, ما يضع الحكومة على المحك لإيجاد قطعة أرض تضم رفات مواطنيها بعد وفاتهم تكريماً لهم، وللتخفيف عن ذويهم خاصة المهجرين منهم, إذا ما علمنا أن واجب العزاء الملزم لأهل المتوفى بات يكلّف أرقاماً فلكية, وباعتقادنا أن مقابر دمشق ستصبح ملكاً للأثرياء فقط عمّا قريب إذا لم تقم محافظة دمشق بوضع ضوابط لبيع القبور ضمن المحافظة, هذا إذا ما كان هناك قبوراً أصلاً في مقابرها معروضةً للبيع، هذا وقد همس لنا أحدهم أن المحافظة صادرت القبور التي لا يوجد أضابير لها، فلربما قد ضاعت أو أتلفت، وخاصة تلك القبور التي لا يزورها أحد لفتراتٍ طويلة، محملةً المواطن ذنب إهمال موظفيها..

 



المشهد

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...