قانون الآثار السوري يمنع أصحاب المحلات في حلب القديمة من القيام بترميمها
من الصادم لمن لم يطلع على نصوص قانون الأثار السوري النافذ حالياً والذي صدر عام 1963 أن يدرك أن هذا القانون قد حصر أعمال الإصلاح و الترميم للمباني الأثرية بالسلطات الأثرية وحدها دون أن يسمح لأي جهة مالكة أخرى أياً كانت القيام بذلك.
والسلطات الأثرية في سوريا هي المديرية العامة للآثار والمتاحف وهي مديرية تابعة لوزارة الثقافة السورية ولم تشكل لها وزارة خاصة. وهي لا تملك أية آليات عمل ولا أي إمكانيات القيام بنفسها بعمليات الإصلاح والترميم.
نص المادة 22 من قانون الآثار السوري واضح وصريح :
“مادة ـ 22ـ السلطات الأثرية وحدها هي التي تقوم بصيانة وترميم الآثار الثابتة المسجلة للمحافظة عليها والإبقاء على معالمها وزخارفها، ولا يحق للمالك أو المتصرف الاعتراض على ذلك.”
أما بالنسبة لنفقات الاصلاح والترميم فيميز القانون بين حالتين لتحمل نفقات الإصلاح والترميم التي تقوم بها السلطات الأثرية حصراً :
إذا كان العقار الأثري عائداً لمديرية الأوقاف وهذا هو حال الغالبية العظمى من عقارات أسواق حلب القديمة حينها ينص القانون على :
“تنفق السلطات الأثرية من ميزانيتها على ترميم وإصلاح المناطق الأثرية والمباني التاريخية المسجلة على أن تتحمل وزارة الأوقاف أو الهيئات الدينية نصف تكاليف ترميم وإصلاح الأبنية الأثرية المسجلة العائدة لها.”
وبما أنه لا توجد ميزانية مستقلة لمديرية الآثار والمتاحف فهذا يعني أنه يتوجب على وزارة الثقافة الإنفاق على ترميم ما تملكه وزارة الأوقاف من عقارات في أسواق حلب القديمة وهو غالبية الأملاك على أن تتقاسم الكلفة مناصفة مع وزارة الأوقاف.
ولا يقع على عاتق مستأجر هذه المحلات من وزارة الأوقاف أي تكاليف إصلاح وترميم وفق القانون.
والحالة الثانية في تحمل نفقات الإصلاح هي في حال كان العقار مملوكاً لأفراد وليس لوزارة الأوقاف، وهذا هو وضع بعض الخانات والمحلات في أسواق حلب القديمة حينها ينص القانون على :
“كما يجوز للسلطات الأثرية أن تسهم بجزء من نفقات إصلاح المباني التاريخية التي يملكها الأفراد وعلى هؤلاء تحمل باقي النفقات ”
أي أن القانون حصر مهمة القيام بأعمال الترميم بوزارة الثقافة وحدها على أن تتقاضى من الأفراد المالكين كلفة الترميم لاحقاً وأجاز للوزارة- إجازة وليس وجوباً – تقدير رغبتها بالإسهام بجزء من النفقات.
إذاً هذا القانون وفق نصوصه الواضحة لا يسمح لمالك العقار أو المتصرف به بأن يباشر بنفسه عملية الإصلاح إلا في حالة واحدة وهي كما نص حرفياً : ” أما الإصلاحات والترميمات الناشئة عن الإشغال والإستثمار ، فيقوم بها المالك أو المتصرف بموافقة السلطات الأثرية وتحت إشرافها على أن يتحمل نفقاتها. ”
أي أن الأضرار الناتجة عن الدمار بسبب الحروب كما هو الوضع في حلب القديمة حالياً لا يجوز أن يصلحها ويرممها المالك أو المتصرف (المستأجر) للعقار، بل يحق له إصلاح الأضرار الناتجة عن استعماله واستغلاله للعقار فقط.
وبالتالي فإن عمليات الترميم التي بدأت حالياً في أسواق حلب القديمة والتي يقوم بإصدار تراخيصها مديرية آثار حلب وينفذها أفراد بأنفسهم معظمهم مستأجرين لعقارات أثرية من مديرية الأوقاف وعلى حسابهم الخاص هي عمليات مخالفة للقانون وغير جائزة.
ولا يجوز وفقاً لنص القانون الواضح إعتبار منح التراخيص من مديرية الاثار بديلاً عن ما نص عليه القانون بقيام السلطات الأثرية بعمليات الترميم بنفسها وبشكل مباشر وعلى نفقتها ونفقة مديرية الأوقاف مناصفة.
وهذا القانون القديم الصادر منذ خمسين عاماً والذي جرت عليه بعض التعديلات فقط والمتعلقة بتشديد مدة الإعتقال والحبس والغرامات المالية المترتبة على من يخالفه.
ولم تجري على القانون أي تعديلات تتناسب مع حالة الدمار التي أصابت المباني الأثرية بسبب الحرب الحالية وضرورة ترميمها بأسرع وقت لإعادة الحياة الاقتصادية والتجارية والمعيشية للعاملين في هذه المحلات التجارية الأثرية والتي يزيد عددها على الألف وخمسمائة محل في أسواق حلب القديمة وحدها وعدد كبير منها اصيب بالضرر.
فهل سنشهد صدور قانون آثار جديد أو تعديل له يراعي الأوضاع الحالية ويجيز لأصحاب المحلات – ومعظمهم من المستأجرين – ترميم محالهم على نفقتهم دون أن يزيدوا في الأعباء المالية الملقاة على عاتق مديرية الآثار والمتاحف ؟
وهل سيتم إحداث وزارة جديدة تكون وزارة للآثار والمتاحف بشكل منفصل ومستقل عن وزارة الثقافة كما هو الحال في مصر مثلاً، ولهذه الوزارة ميزانيتها المستقلة للقيام بالأعباء الجسيمة القادمة مستقبلاً والمعول عليها لاستعادة آثارنا مما حل بها؟
المحامي علاء السيد
الخبر
إضافة تعليق جديد