عمال بالاسم.. وخدم بالمعنى!
نتيجة لاعتقادي المسبق بفعالية وقوة نضالات الحركة النقابية العالمية وتأثيرها على الكثير من القرارات الحكومية في بلدان العالم قاطبة، وتغير تلك السياسات التي تعادي نضالها المطلبي في سبيل العيش الكريم لطبقتها، تفاءلت خيراً بالوعي السياسي والنضالي الذي وصلت إليه طبقتنا العاملة وتنظيمها النقابي في المؤتمر الأخير للاتحاد.
إلا أن متابعتي المتواصلة وصبري الطويل في تغطية أعمال المؤتمر بالكامل، واستماعي لجميع المداخلات الفرعية، بالإضافة إلى اللقاءات الحية مع بعض القيادات النقابية لم تثنيني عن كتابة بعض المنغصات التي تطبع عمل عمال القطاع الخاص، وخاصة الآلاف من العمال الذين يعملون في المطاعم والفنادق وما يعانونه من مشاكل وصعوبات..
في البداية لابد من التأكيد بأن تعامل معظم أرباب العمل مع هؤلاء العمال يخلو من كل القيم الإنسانية والأخلاقية, ويساهم في تكريس النظرة الدونية لهم، مع أن معظمهم إما طلاب يدرسون في الجامعات أو تخرجوا منها, أو أنهم اضطروا للقبول بهذا النوع من الأعمال بسبب البطالة وضيق الحال وعدم وجود فرص عمل تناسب الشهادات والكفاءات التي يحملونها، وهكذا لا يبقى أمامهم سوى اللجوء إلى تلك المطاعم والفنادق التي غالباً ما تهان فيها كرامتهم كل يوم، إما من أرباب العمل، أو من الزبائن الذين تأخذ سحنتهم شكلاً آخر بمجرد وقوف النادل أمامهم.
إن هذه الفئة من العمال، والتي كما ذكرنا سابقاً تعد بالآلاف، ليس لديها أية ملجأ تستعين به أو تلجأ إليه لرفع الحيف عنها والأخذ بحقوقها من أرباب العمل، وخاصة عند حدوث أي مشكلة بينهم وبين مدراء أو أصحاب المطاعم، وبالتالي ليس هناك من يساندهم عند رفع مطالبهم, رغم أن الراتب الذي يتقاضونه هو في الأصل قليل جداً.. لذلك فالكثير من العمال يعتمدون ليس على الراتب الضعيف، بل على ما قد تأتيهم من «إكراميات» من الزبائن (الكرام)، وهذا بحد ذاته يعتبر إهانة لإنسانية الإنسان، ولكن ما باليد حيلة، فالعين بصيرة واليد قصيرة كما يقول المثل، أما الدوام فيختلف عن جميع عادات وقوانين العمل في العالم أجمع الذي يعتمد نظام الورديات الثلاث، ففي بلدنا، يضطر عمال الفنادق والمطاعم إلى القبول بأن يتوزع عملهم على ورديتين فقط، مدة كل منهما اثنتا عشرة ساعة متواصلة دون انقطاع أو استراحة.
أما الانتساب للنقابات ومؤسسة التأمينات الاجتماعية فليس وارداً في قاموس حياتهم العملية، ويعتبر حديثهم عنها أمام صاحب العمل من المحرمات، كما إن الإجازات معدومة أو شبه مستحيلة وهي إن حصلت فتتم من دون أجر إلا للقدماء منهم الذين تعدت مدة خدمتهم عدة سنوات، وأصبحوا بالمعنى الدارج «اليد اليمنى للمعلم» في ممارسة السلطة على زملائهم في العمل.
إن إتلاف أية قطعة أو أداة من مقتنيات المطعم أو الفندق يكون على حسابهم مهما كان سعره, والأكل الذي يأكله العمال هو من بقايا الأطعمة الفائضة من طاولات زبائن المطعم.
وبالنسبة لإصابات العمل، فإن صاحب العمل لا يتحمل مسؤولية أية إصابة تقع على أحدهم مهما كانت خطيرة، وخاصة إصابات الذين يعملون على المكنات التي قد تتسبب بقطع أصابعهم جراء فقدان التركيز بسبب الإرهاق الناتج عن العمل المتواصل، أو الحروق التي تصيبهم نتيجة الحرائق التي كثيراً ما تحدث.
إن المشكلات والمصاعب التي يعانيها عمال الفنادق والمطاعم بحاجة إلى إعادة النظر في وضعهم بأسرع وقت، خصوصاً بعد أن أصبحوا متيقنين أنهم يعاملَون كأية وجبة توضع أمام الزبون، وبعد أن أمسوا عمالاً بالاسم، وخدماً بالمعنى.
المصدر: جريدة قاسيون
إضافة تعليق جديد