دراسة جامعية حول مكافحة الفساد في سورية
تغريد عيسى قاسم: يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ظاهرة الفساد في سورية ويتحدث عنه الباحث والسياسي
الكاتب والاقتصادي...الصغير والكبير،ولكن يبقى السؤال من أي موقع يتحدث كل فرد؟
البعض يصف نفسه بالمعارض والآخر بالموالاة والقسم الثالث بالمستقل ،وأنا بحديثي عن ظاهرة الفساد في سورية أصف نفسي بالمواطن المراقب لأني أعشق المادة الثامنة والثلاثون من الدستور السوري التي تؤكد على حرية الرأي وأهمية الرقابة والنقد البناء بحيث نصل إلى مصلحة الوطن العليا وكمواطن مراقب أتمنى تعديل المادة الثالثة من الدستور السوري التي تنص على دين رئيس الجمهورية بأن يكون مسلما" مع العلم أن الدستور السوري نص في أكثر من مادة على مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين . نعلم جميعا"أن هويتنا السورية أقدم من هويتنا الإسلامية كما نؤمن بأن الوطن للجميع وكلنا في هذا الوطن متساوون وانتماؤنا للوطن فطرة سورية جبلنا بها وليس انتماءً دينياً مسيحياً كان أو إسلامياً وكغيره المواطن المراقب يقع في جدالات المرحلة الراهنة حول تعديل بعض مواد الدستور السوري ولا أجد مشكلة في ذلك بل أبارك تلك التوجهات وتلك الآراء وأعتبره حراكاً سياسياً مبشراً بمستقبل مشرق لسورية مع أهمية ضرورة هذا الحراك في حل مشكلة الفساد في سورية لأن مكافحة الفساد في سوريا حلها سياسياً بامتياز وهذا ما توصلتُ إليه في الدراسة التي أعددتها سنة 2009 لنيل شهادة الدبلوم في التخطيط الاقتصادي والاجتماعي من معهد التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.. هيئة تخطيط الدولة.
دراستي حول الفساد بعنوان (تحليل ظاهرة الفساد في سورية) إشراف الدكتور: قدري جميل.
في هذه الدراسة عملتُ على توضيح هيكلية الفساد في سورية من خلال دراسة فروعه ومواقعه بالاعتماد على العلاقة القائمة بين مثلث السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية .مما يؤكد أهمية الحل السياسي والقانوني في مكافحة الفساد في سورية مع العلم أن بعض الاقتصاديين يؤكدون أهمية الحل الاقتصادي والعمل على تصحيح العلاقة بين الأجور والأرباح ولا أنكر أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين من خلال العلاقة الصحيحة بين الأجور والأرباح والتوزيع العادل للثروة ولكن هذا يحتاج لبيئة سياسية وقانونية من خلال إعادة القاعدة الصحيحة بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) تحت ظل القانون والدستور السوري أضف لذلك أهمية تفعيل سلطة الأعلام مما يؤكد أهمية الحل السياسي والقانوني لمشكلة الفساد بسورية وعليه أبين في هيكلية الفساد في سورية فروعه الموجزة بما يلي:
- اتساع السلطة التنفيذية.
- ضعف الدور الفعلي للسلطة التشريعية.
- وضع القضاء (ضعف دور القضاء).
- تعدد أنواع الرقابة وضعف فعاليتها.
- ضعف السلطة الرابعة والمجتمع المدني والجمعيات.
- الضبابية في البنيان الاقتصادي للدولة.
- التمركز الإداري الشديد في الوزارات والمؤسسات الإدارية.
- ضعف الدور الفعلي للأحزاب السياسية وغياب التعددية الحزبية.
إن الخلل الحاصل في الفروع السابقة وإساءة العلاقة بين تلك السلطات والمؤسسات من قبل البعض أدى إلى خلق بيئة مواتية للفساد فعندما تتخلى السلطة التشريعية عن دورها في مسائلة السلطة التنفيذية واستجوابها وحجب الثقة عن أي وزارة أو أي حكومة في حال ثبت فسادها هذا يعني أن السلطة التشريعية تنازلت عن سلطتها الاجتماعية والشعبية في الرقابة على السلطة التنفيذية مع العلم أن المادة 71 من الدستور السوري حددت اختصاصات مجلس الشعب ومكنته من حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء إذا اقتضى الأمر ويبقى السؤال خلال ثلاثة عقود ونيف ماذا فعل مجلس الشعب؟
الحقيقة أن مجلس الشعب لم يستخدم حقوقه القانونية والدستورية في الدفاع عن حقوق المواطنين ولم يحقق الرقابة المجتمعية والشعبية على السلطة التنفيذية حتى باتت السلطة التنفيذية هي الحكم والخصم في آن واحد مما خلق بيئة مواتية للفساد في ظل غياب الرقابة البرلمانية المتمثلة بسلطة مجلس الشعب.
أضف لذلك ضعف القضاء الذي يتبع في تعييناته وزير العدل الذي هو جزء من السلطة التنفيذية مما أدى إلى اتساعها.
الواقع الصحيح يتطلب من القضاء ما يلي:
الصلاحية تؤخذ ولا تعطى فالقضاء سلطة عليا وسلطة القانون لا يعلو عليها سلطة وفق الدستور السوري فقد نصت المادة 131 من الدستور السوري على ما يلي:
السلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى. كذلك نصت المادة 133 في الفقرة 1- القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.
بناءً على ما سبق مطلوب من القضاة إرادة قوية مستقلة ونزيهة تضمن حقوق جميع المواطنين.
وفي متابعة الدراسة حول الخلل الحاصل بين السلطات والمؤسسات لابد من التنويه إلى تبعية الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش لرئاسة مجلس الوزراء وكذلك الجهاز المركزي المالي للرقابة المالية مما يؤدي إلى رقابة السلطة التنفيذية على نفسها مما يتيح بيئة مواتية لفساد البعض.
أضف لذلك تعدد أنواع الرقابة وضعف فعاليتها.
رقابة مجتمعية وإعلامية ضعيفة وشبه غائبة.
رقابة حزبية ضعيفة.
رقابة برلمانية ضعيفة وشبه غائبة.
الواقع الصحيح من الرقابة يتطلب ما يلي:
إتباع الرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش لمجلس الشعب وتفعيل الرقابة المجتمعية والشعبية وأعتقد أنه في ظل قانون الانتخاب الجديد الصادر في هذه المرحلة والذي هو خطوة إصلاحية رائدة في سورية الجديدة سوف يستعيد مجلس الشعب دوره الرقابي من خلال التمثيل الفعلي للشعب بشرط أن تتوفر الإرادة الفعلية للأعضاء المنتخبين بحيث يستفيدوا من الصلاحيات التي منحها إياهم الدستور السوري في مسائلة السلطة التنفيذية ولا تبقى صلاحياتهم محصورة بمفهوم الحصانة الخاص بهم.
أما في حديثنا عن ضعف السلطة الرابعة والمجتمع المدني فحدث بلا حرج.. إن غياب الإعلام الحر والموضوعي الذي يفضح ممارسات الفاسدين كذلك غياب العمل المدني الحقيقي الذي هدفه مصلحة الوطن وليس هدفه البالونات الإعلامية التي لا تعبر إلا عن أصحابها ساهم في خلق بيئة مواتية للفساد بالنسبة للبعض فليس هناك من يفضح فسادهم.
إن المرحلة الراهنة تؤكد ضرورة صدور قانون الأعلام الذي نأمل أن يعبر عن هموم المواطنين ومشاكلهم بحيث يتم فضح ممارسات الفساد من خلال حماية الأعلام والإعلاميين كذلك المواطنين بقضاء مستقل ونزيه.
أما الحديث عن ضبابية البنيان الاقتصادي للدولة والذي أعتبره أحد فروع الفساد في سورية أوضح ما يلي:
إن التخبط الشديد في تحديد نموذج البنيان الاقتصادي وانتشار ضبابية عالية في معرفة هوية الاقتصاد في سورية على أرض الواقع من خلال الممارسات إذا كان رأسمالياً أو اشتراكياً في ظل تخطيط مركزي شديد مع العلم أن الدستور السوري يؤكد على أن النظام الاقتصادي في سورية هو نظام اشتراكي.
هذه الضبابية في بنية الاقتصاد السوري والتخبط في تحديد هويته أدت إلى انتشار عمليات النهب والسرقة والعمل على تخسير القطاع العام والدعوة إلى الخصخصة ولو بشكل تدريجي تحت غطاء الضبابية التي تخيم على هوية الاقتصاد السوري لأن مهمة المفسدين بالقطاع العام انتهت فبعض رجال الأعمال الذين ظهروا في المجتمع السوري هم بالأصل كانوا مدراء قطاع عام وبعضهم وزراء ومسؤولين سابقين وقد أصبح بعضهم في هذه المرحلة يطالب بمصالح الشعب من خارج وداخل البلد وهنا تكمن المفارقة وعلامات التعجب!
إن مفهوم الربح والخسارة يؤسس لمفهوم السوق ويلغي مفهوم القانون والدولة ومن هنا تأتي أهمية تحديد البنيان الاقتصادي بشكل دقيق وشفاف حتى لا يغيب مفهوم المواطن ليحل محله مفهوم المستهلك كذلك مفهوم السوق بدلاً من مفهوم الوطن.
وبالحديث عن الفساد لا يمكن تجاهل التمركز الإداري الشديد الذي تجلى في الروتين والبيروقراطية واستغلال الثغرات القانونية والتأخير في تسيير المعاملات مما أدى إلى سلطة أصحاب المكاتب وانتشار الرشوة بنوعيها الصغير والكبير.
إن الحراك الشعبي والسياسي ضروري لحل مشكلة الفساد وهذا يتطلب التعددية السياسية أي تفعيل الدور الوظيفي الأحزاب السياسة ومن هنا تأتي أهمية قانون الأحزاب الصادر في هذه المرحلة كذلك قانون الإدارة المحلية مما يجعلنا نتفاءل بسورية الحديثة.
إن الديمقراطية لا تعني حرية الرأي فقط وإنما تعني المحاسبة بحيث يكافئ من أصاب ويعاقب من أخطأ وبالتالي يكون الجميع تحت سلطة القانون ومن هنا تكمن أهمية بناء المواطن القانوني والدستوري من خلال تدريس القانون والدستور السوري في المراحل الأولى من التعليم الأساسي لأنه ببناء المواطن القانوني والدستوري الذي يعرف حقوقه وواجباته ننمي مفهوم المواطنة القائم على إدراك كل فرد لحقوقه وواجباته في ظل انتماء الفرد للوطن.
إن معرفة الفرد للقانون والدستور في مراحل مبكرة من التعليم يبني جيلاً محصناً ضد كل أشكال الخطأ المقصود وغير المقصود وبالتالي ضد كل أشكال الفساد والخلل ونستطيع ببناء المواطن القانوني ممارسة الحراك الشعبي والسياسي والإعلامي والقضائي.. لأنه لا يمكن بناء سورية الحديثة بإصدار القوانين فقط دون العمل على تعزيز ثقافة المواطن القانوني والدستوري الذي يتعامل مع هذه القوانين بشكل سليم وصحيح لأن هذا المواطن هو الناخب في المرحلة القادمة وهو المنتخب وهو المسؤول وهو الاقتصادي وهو الناقد وهو..... الخ إذاً التغيير والتطوير لا يكون بفترة زمنية قصيرة ولا بانقلابات ولا بربيع عربي مزعوم وإنما ببناء الإنسان القانوني الدستوري الذي يعرف ماله وما عليه وبالتالي يعرف منطق المحاسبة ومن ثم منطق الديمقراطية وليس منطق الفوضى تحت عباءة الجهل القانوني والارتكاس الديني المتخلف الذي لا يمت للدين والأخلاق بصلة.
التعليقات
دراسة جامعية حول مكافحة الفساد في سورية
ان الدور الاساسي للشباب هو
المواطن المراقب = المواطن القانوني
إضافة تعليق جديد