ثلاث مُلاحظات يُمكن أن تُلخّص الأهداف الحقيقة لقمّة المُصالحة الخليجيّة في السعوديّة
ثلاثة أمور أساسيّة يُمكن أن تُلخّص وقائع القمّة الخليجيّة التي انعقدت في مدينة العلا أمس وتُسلّط الأضواء على أهدافها الحقيقيّة وما يُمكن أن يتبعها من تطوّرات مُحتملة:
الأولى: غياب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وتولّي نجله وليّ العهد رئاسة هذه القمّة، وهذا تطوّر غير مسبوق، يُوحِي بأنّ الأمير بن سلمان بات الملك غير المُتوّج، وربّما لن يطول التّتويج الرّسمي.
الثّاني: حُضور جاريد كوشنر صِهر الرئيس الأمريكي ومُستشاره الأوّل، رُغم وجود أحداث أهم في الولايات المتحدة أبرزها الاحتِجاجات الضّخمة لأنصار ترامب في العاصمة واشنطن المُتوقّعة غدًا الأربعاء ضدّ إعلان جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، وكوشنر هو “عرّاب” التّطبيع، وقد تكون “المُصالحة” مُقدّمةً له.
الثالث: الجُملة الوحيدة الأكثر أهميّةً التي وردت في خِطاب الأمير بن سلمان القصير هي تِلك التي وصف فيها البرنامجين النّووي والصّاروخي الإيراني ومشاريع إيران التخريبيّة في المِنطقة كلّها تُشَكِّل تهديدًا للأمن والسّلّم الإقليمي والدولي مُوحِيًا بضرورة التّوحُّد لمُواجهة هذه الأخطار.
حُضور كوشنر لهذه القمّة، و”الاحتفال” بالمُصالحة الخليجيّة، يُثير الرّيبة، وقد يَكشِف بشَكلٍ غير مُباشر ما هي الأجندة الحقيقيّة خلف هذه المُصالحة الذي كان “عرّابها” إن لم يَكُن هو من فرضها وربّما شُروطها، ولم يترك أمام الأطراف المُشاركة أيّ خِيار آخَر غير اعتِمادها، وإلا فإنّ عليهم تحمّل النتائج الخطيرة المُترتّبة على ذلك، ونحن نتحدّث هُنا عن قطر والمملكة العربيّة السعوديّة، فيبدو واضحًا أنّ كُل ما يَهُم كوشنر وحماه ترامب هو فتح الأجواء وفتح الحُدود البريّة والبحريّة لتسهيل تحرّكات الطّيران الأمريكي وربّما الإسرائيلي فوق الجزيرة العربيّة، وانطِلاقًا من القواعد الأمريكيّة لضرب البرامج النوويّة والصاروخيّة والبُنى التحتيّة الإيرانيّة في أيّ عُدوانٍ جديد يُحَضِّر له الرئيس الأمريكي وتابعه بنيامين نِتنياهو.
بحثنا في برقيّات جميع وكالات الأنباء وتصريحات المسؤولين الذين شاركوا في هذه القمّة لعلّنا نَجِد أيّ كلمة، ولو واحدة، غير فتح الأجواء والحُدود، تتعلّق باتّفاق المُصالحة المُفتَرض وبُنوده، ولكن جميع مساعينا باءت بالفشل حتّى كتابة هذه السّطور.
نشرح أكثر ونسأل هل قبلت دولة قطر بالشّروط الـ 13 التي تَفرِضها الحُكومات الأربع المُقاطِعة جميعها أو بعضها، وخاصّةً إغلاق محطّة “الجزيرة” وشقيقاتها، وبعض مراكز الأبحاث، وقطع العُلاقة مع حركة “الإخوان المُسلمين” والمُعارضات الخليجيّة الأُخرى، وتفكيك القاعدة العسكريّة التركيّة.
أسئلة أُخرى لا نستطيع تجاهلها وهي عن أسباب غِياب ملك البحرين، وعدم حُضور محمد بن زايد وليّ عهد أبو ظبي وحاكِمها الفِعلي، أو شقيقه وزير الخارجيّة، واعتِذار الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي عن قُبول الدّعوة التي جرى توجيهها إليه، وإيفاد وزير خارجيّته سامح شكري نيابةً عنه، الذي غادر فور توقيعه البيان المُشتَرك “الغامِض”، دُون الإدلاء بأيّ تصريح.
السّؤال الأخير هو عن فتح الأجواء والحُدود القطريّة السعوديّة فقط، بينما ظلّت نظيراتها البحرينيّة والإماراتيّة مُغلقةً، فهل هذا يعني إنّها ستظَل كذلك في المُستقبل ولماذا لم تَشمَلها المُصالحة “التّاريخيّة”؟ وهل نحن أمام اختِصار محور الدّول المُقاطِعة لقطر إلى ثلاث بدلًا من أربع بعد خُروج السعوديّة وتوقيعها مُصالحة ثُنائيّة مُنفَرِدَةً مع دولة قطر؟
يبدو أنّ المُصالحة الحقيقيّة تمّت بين قاعدتيّ العديد الأمريكيّة في قطر وشقيقاتها قاعدة الأمير سلطان الجويّة في الخرج في المملكة العربيّة السعوديّة، ربّما استِعدادًا لسيناريو الهُجوم الذي وضعه الرئيس ترامب ورِجالاته في البيت الأبيض ضِدّ إيران، ويعمل على توزيع أدواره على دول المِنطقة الأعضاء في حِلف النّاتو العربي السنّي الملكي الجديد من قِبَل صِهره ومبعوثه كوشنر.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
إضافة تعليق جديد