تطور ميزان المدفوعات السوري
مفهوم ميزان المدفوعات
تُسجل الدول معاملاتها الاقتصادية والمالية مع بقية دول العالم في حسابات خاصة بها.. تُدعى «موازين المدفوعات»، «فالميزان بيان تُسجل فيه جميع المعاملات الاقتصادية الدولية التي تتم بين المقيمين في دولة ما.. والقائمين في بقية دول العالم خلال سنة»، ومن المعروف أن هذه المعاملات تترتب عليها مدفوعات دولية «مدينة أو دائنة» تؤدي حالاً أو مستقبلاً الى تسوية نقدية.. سواء كانت هذه التسوية نقداً أو عن طريق الائتمان، وميزان المدفوعات بالتالي يُمثل صافي التدفق النقدي بين الدولة المعنية وبقية دول العالم.
عناصر ميزان المدفوعات
تتنوع كثيراً المعاملات المفردة التي يغطيها بيان الميزان، ولذلك سنذكر العناصر الأساسية التي تُمثل بنوداً أو فئات لمعاملات مترابطة ومتجانسة فيما بينها، وتُشكّل لبنات أساسية في تكوين العرض التحليلي لميزان المدفوعات.
1- ميزان الحساب الجاري: ويشمل هذا الميزان مجموع العناصر التالية:
أ- الميزان التجاري، ويقتصر على الصادرات والمستوردات السلعية فقط.
ب- ميزان الخدمات والدخل، ويشمل النقل والشحن، والتأمين، والسفر والسياحة ودخل الاستثمار، والدخل من العمل، وعوائد الملكية وغيرها.
ج- التحولات دون مقابل، وتُمثل مجموعة القيود المقابلة للتغيّرات الدولية في ملكية الموارد الحقيقية أو المالية، كالهبات والمساعدات والإعانات، وغيرها من التحولات والتي ليس لها أي قيد مقابل، ولا تترتب عليها أية التزامات تجاه الدولة التي تتلقاها.
2- حساب رأس المال: ويُبيّن هذا الحساب التغيرات في الملكية أي في الموجودات والمطاليب المالية الخارجية «الأصول والخصوم» للاقتصاد الوطني، ويشمل تحركات رأس المال طويلة الأجل وقصيرة الأجل.
3- التمويل الموازن: تؤدي نتيجة الحساب الجاري وحساب رأس المال في نهاية الفترة، التي يُعد من أجلها ميزان المدفوعات الى تحديد وضع الدولة المعنية مدائن أو مدين دولي، الأمر الذي يتطلب تسوية العجز أو الفائض- محاسبياً (1) - ببنود تسوية يُسمى «التمويل الموازن» الذي يشمل التغيّر في الاحتياطات الأجنبية لدى السلطات النقدية والجهاز المصرفي.
تطور ميزان المدفوعات السوري
تعكس الدراسة التحليلية لتطورات ميزان المدفوعات التغيّرات في البنية الهيكلية للاقتصاد الوطني في القطاعين الحقيقي: «المادي» والنقدي، وتُفسر هذه التطورات أسباب الاختلال الخارجي، والعوامل الكامنة وراءها والتي تتمثل أساساً في مستويات الإنتاج، والأسعار، والاختلال المالي، ونظام القطع الأجنبي، وغيرها.
ونُبيّن فيما يلي أهم التطورات الحاصلة في بيانات ميزان المدفوعات لعام 2005 بالمقارنة مع تلك البيانات خلال عامي 2003 و2004.
الحساب الجاري
سجل فائض ميزان الحساب الجاري تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات 2003- 2005.. فبعد أن كان الفائض في عام 2003 «752» مليون دولار.. انخفض الى «210» و«65» مليون دولار في عامي 2004 و2005 على الترتيب.
وقد نجم التراجع في الفائض في عامي 2004 و2005 عن العجز الملموس في الميزان التجاري نتيجة انخفاض حصيلة الصادرات من النفط، وزيادة مستوردات القطاع الخاص بشكل ملحوظ، وارتفع بذلك مجموع المتحصلات الجارية من «8127» مليون دولار في عام 2003... الى «9240» مليون دولار في عام 2004، والى «10593» مليون دولار في عام 2005 مسجلة نسبة نمو مقدارها 30٪ بين عامي 2003 و2005، فقد ازدادت المتحصلات من السلع التصديرية بنسبة 11.5٪.. والمتحصلات من التحولات الجارية بنسبة 37٪ والمتحصلات من الخدمات بنسبة 82٪ والمتحصلات في حساب الدخل بـ 2.16 مرة خلال الفترة 2003- 2005.
وبالمقابل، فقد ارتفع مجموع المدفوعات الجارية بنسبة 43٪ بين عامي 2003 و2005، وذلك بتأثير عدد من العوامل منها: زيادة المستودات بنسبة بلغت 64.4٪ وزيادة المدفوعات على الخدمات وبنسبة مقدارها 13.5٪ والدخل بنسبة 5٪.
ونورد فيما يلي بياناً بالأهمية النسبية للمتحصلات والمدفوعات الجارية في عام 2005.. ومقارنتها بعامي 2004 و2003 «الجدول رقم 1».
الميزان التجاري
حقق الميزان التجاري في عام 2003 فائضاً وصل الى «1332» مليون دولار وقد بلغت نسبة تغطية الصادرات لكامل المستودرات (2) 130٪، إلا رصيد الميزان التجاري.. تحول الى عجز في عام 2004 بمقدار 375 مليون دولار نتيجة انخفاض الصادرات النفطية بشكل خاص بنسبة 15٪، وذلك من «4111» مليون دولار في عام 2003.. الى «3471» مليون دولار في عام 2004، وتُشير التقديرات الأولية الى أن عجز الميزان التجاري ازداد الى 855 مليون دولار في عام 2005 بسبب زيادة مستوردات القطاعين: العام والخاص بشكل ملحوظ.
وقد شكّل النفط الخام في عام 2005 ما نسبته 64٪ من مجموع فاتورة الصادرات للقطاعين العام والخاص ومسجلاً زيادة عما تم تصديره في عام 2004.. وصلت الى 18.7٪. «الجدول رقم-2-»، ويرجع سبب تلك الزيادة الى ارتفاع أسعار النفط عالمياً.
ويتبيّن من الجدول رقم -2- أيضاً أن الصادرات الأخرى غير النفطية للقطاع العام قد انخفضت بشكل طفيف من «437» مليون دولار في عام 2004 الى «434» مليوناً في عام 2005.. وقد شكّل القطن الخام منها ما يقرب من 45٪.
وتجدر الإشارة الى أن غالبية الصادرات السورية تتشكل من مواد خامية تصل نسبتها الى ما بين 75- 80٪ من مجمل الصادرات.
أما في جانب المستوردات.. فقد ازدادت المستوردات من النفط من «393» مليون دولار في عام 2004.. الى «922» مليوناً في عام 2005، وبنسبة وصلت الى حوالي 131٪، في حين زادت المستودرات الأخرى للقطاع العام غير النفطية باستثناء مستوردات شركات النفط الأجنبية العاملة في القطر بنسبة بلغت 7٪ خلال الفترة نفسها.
من جانب آخر ارتفعت صادرات القطاع الخاص من «1653» مليون دولار في عام 2004 الى «1874» مليوناً في عام 2005 مسجلة نسبة زيادة مقدارها 13.4٪، بينما زادت مستودراته الى «5286» مليون دولار، بعد أن كانت «4531» مليوناً في عام 2004 وبنسبة زيادة بلغت حوالي 17٪.
ميزان الخدمات
سجل صافي ميزان الخدمات فائضاً في عامي 2004 و2005 بعد أن كان في حالة عجز في عام 2003 بما مقداره «262» مليون دولار «الجدول رقم -3-»، ويعود ذلك الى زيادة المتحصلات من الخدمات «نقل وشحن وترانزيت- سياحة وسفر..» بين عامي 2003 و2005 بنسبة بلغت 82٪... في حين ارتفعت المدفوعات على الخدمات في الفترة ذاتها الى ما يقرب من 13.5٪، وقد ساهمت في زيادة المدفوعات على الخدمات نفقات الشحن والنقل، التي زادت بنسبة 43٪ بسبب زيادة المستوردات.
ميزان الدخل
انخفض عجز صافي ميزان الدخل في عامي 2004 و2005 الى «729» و«585» مليون دولار على الترتيب، وذلك مقابل «857» مليوناً في عام 2003 وبنسبة انفاق بلغت 32٪ «الجدول رقم -4-»، وقد تضافرت عدة عوامل في تقليص العجز في كلا جانبي حساب الدخل الدائن والمدين.
ففي الجانب الدائن:
- انخفضت تحويلات العمال السوريين الموسميين العاملين في لبنان بنسبة 65٪.
- زيادة الفوائد المقبوضة لقاء توظيف الموجودات الأجنبية بنسبة وصلت الى 150٪ نتيجة زيادة معدلات الفائدة العالمية الى 4.5٪ في عام 2005 مقابل 1٪ في عام 2003.
وفي الجانب المدين:
- انخفضت المبالغ المسددة عن مدفوعات الفائدة خلال عام 2005 وبنسبة بلغت 13٪ عما تم تسديده في عام 2003، بينما زادت بنسبة 7٪ عما تم تسديده في عام 2004.
- انخفاض المبالغ المحوّلة من العاملين اللبنانيين في سورية بنسبة 7٪ بين عامي 2004 و2005.
حساب التحويلات الجارية
سجّلت التحويلات الجارية زيادة بنسبة 9٪ في عام 2005 عما كانت عليه في عام 2004، وذلك من 679 مليون دولار في عام 2004 الى 740 مليون دولار في عام 2005 نتيجة طفرة الزيادة في إيرادات النفط التي تشهدها الاقتصادات الخليجية، وتتشكّل هذه التحويلات من المبالغ المحوّلة «الإعانات» التي ترد لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين العرب المقيمين في سورية، والإعانات النقدية الأخرى لصالح القطاع العام، في حين تشمل التحويلات الخاصة الإرساليات النقدية المحوّلة من قِبل السوريين العاملين في الخارج.
حساب رأس المال
سجلت المعاملات الرأسمالية والمالية في عام 2004 صافي تدفق للخارج بلغ «42» مليون دولار، وتشير التقديرات الأولية إلى أن ميزان الحساب المالي والرأسمالي سجل صافي تدفق إلى الداخل في عام 2005 بمقدار «100» مليون دولار، بينما كان صافي تلك المعاملات قد بلغ «118» مليون دولار في عام 2003، ويمثل تدفقاً نحو الخارج، وقد نجم تغيّر وضع صافي الحساب الرأسمالي والمالي بين عامي 2003 و2005 عن عدد العوامل المؤثرة منها: إن حركة الاستثمارات الخارجية المباشرة وغير المباشرة الاقتراض والتسديد طويلة الأجل.. من وإلى الخارج، قد أسفرت عن تسجيل زيادة في حركة الاستثمارات المباشرة، وانخفاض في صافي القروض الخارجية بما يعادل «187» مليون دولار تقريباً.
أما صافي حركة رأس المالي قصير الأجل، فقد وصل إلى «-334» مليون دولار حسب البيانات التقديرية في عام 2005، ويعود سبب ذلك إلى انخفاض التسهيلات الائتمانية المستعملة من الخارج، نتيجة الاعتماد المتزايد على قطع التصدير والحسابات المصرفية لدى المصرف التجاري السوري في تمويل مستوردات القطاع الخاص، وقيام المصرف التجاري السوري بتمويل المستوردات جزئياً.
الحساب النقدي
يمثل الحساب النقدي صافي الموجودات الأجنبية لدى المصرف المركزي والمصرف التجاري السوري، ويعكس هذا الحساب الميزان الكلي لميزان المدفوعات، وقد حقق صافي الموجودات الأجنبية زيادةً في عام 2005، بلغت «375» مليون دولار مقابل «368» مليوناً في عام 2004، و«719» مليوناً في عام 2003.
المؤشرات العامة في ميزان المدفوعات
1- لا يزال النفط الخام يشكّل السلعة الرئيسية الأولى في سلة صادرات القطاع العام، وترتبط موارده سنوياً بارتفاع أو انخفاض أسعاره العالمية، التي تؤثر فيها عوامل العرض والطلب، كما أن موارد الصادرات الأخرى -لا سيما الزراعية منها كالقطن والقمح- تخضع بشكل رئيسي لارتفاع أو انخفاض الإنتاج بسبب تقلبات الموسم المطري بين عام وآخر، وفي ضوء عدم ثبات الأسعار العالمية للنفط، وعدم استقرار إنتاج بعض المحاصيل الزراعية، وانخفاض صادرات الصناعات التحويلية، تبدو حتمية تطوير بنية الصادرات واستكمال خطوات الحكومة في صياغة استراتيجيتها للتصدير، بحيث يتم من خلالها إعطاء المزيد من التشجيع والتحفيز للمنتجين، وتنويع السلع التصديرية، وتحسين جودتها وتخفيض تكلفتها، والبحث عن أسواق جديدة تكون فيها المنتجات السورية قادرةً على المنافسة أمام المنتجات الأجنبية.
2- المؤشر الثاني يتعلق بالتجارة الخارجية للقطاع الخاص، وقد أظهرت البيانات الإحصائية استمرار الاختلال الكبير بين الصادرات والمستوردات، بحيث أصبح العجز السمة المميزة للميزان التجاري لهذا القطاع، على الرغم من الإجراءات الحكومية المشجعة لدعم عمليات التصدير.
3- المؤشر الثالث يتعلق بالخدمات وفي مقدمتها: السياحة والسفر، التي تشكّل أكثر من 64٪ من الموارد الخدمية، فالموارد من السفر والسياحة الخارجية تزداد سنوياً بنسب متواضعة، ويتطلب الأمر اتخاذ المزيد من الإجراءات للترويج السياحي بكل وسائله، ولا سيما ما يتعلق منها بتطوير وسائل التخديم في المرافق السياحية المختلفة، والعمل على إقامة المزيد من المعارض الدولية والمحلية والمهرجانات السياحية وزيادة النشرات السياحية، واتباع سياسة في تسعير الخدمات السياحية.. بما فيها أجور المبيت في الفنادق وغيرها من الدور المفروشة تنافس الأسعار المطبقة في الدول الأخرى لا سيما الدول المجاورة منها.
4- المؤشر الرابع يتعلق بحجم تدفقات الاستثمارات الخارجية إلى سورية، وضرورة العمل على زيادتها، واتخاذ المزيد من الإجراءات المناسبة لتحفيز واستقطاب المستثمرين العرب والأجانب.
د. محمد جمعة
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد