تجار وصناعيون يراهنون على إخفاق «التسعير»
هل فقدت الوزارة إمكانية التدخل الفعلي في ضبط «جنون» الأسعار بسبب تحريرها على مدى عشر سنوات ما أفقد السيطرة عليها وجعلها رهنا للتلاعب، ودفع أحد كبار التجار مؤخراً للتشكيك بسياسة التسعير القائمة متهما إياها بالفشل؟!!
تساؤل يطرح في مدى قدرة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على ضبط السوق مع كثرة الوعود «والشعارات» بمدى صوابية لجوئها لتطبيق التسعير الإداري على كثير من السلع دون تلمس نتيجة إجراءاتها حتى تاريخه، ما دفع كثيراً من المراقبين للقول إنه ينبغي عليها التفكير الجدي بالمراقبة ومنع الاحتكار وضخ الكثير من الكميات والمواد وإقامة منافذ البيع وأن تترك تسعيرها الإداري جانباً لثبوت فشله.
وعن هذا الموضوع قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك سمير قاضي أمين إن سياسة التسعير سيكون لها دور في تخفيض الأسعار وتنظيم الأسواق عبر الوساطة التجارية بشكل يضمن التزامها بالفاتورة النظامية، وذلك بعد اتخاذه بمشاركة وموافقة غرف التجارة والصناعة وخاصة بعد اعتماد ربح عادل بناء على التكاليف الفعلية، وإضافة تكاليف أخرى غير منظورة كانت الحكومة لا تصدقها كأجور النقل، إذ جرت مراعاة مصالح الأطراف كلها عملاً بمبدأ لا ضرر ولا ضرار.
واعتبر الوزير أن إعادة تسعير بعض المواد وخاصة الغذائية وإلغاء استثنائها من هوامش ونسب الأرباح سوف يخضعها للدراسة والتدقيق في بيانات التكلفة الفعلية والابتعاد عن المبالغة والشطط في الأسعار واستغلال البعض بحجة كونها سلعة محررة وهذا سينعكس إيجاباً على الرأي العام بشكل عام والمستهلك، إضافة إلى إمكانية توفيرها للمواطن بالكمية المطلوبة والسعر المناسب، وقد تم رفع نتائج الدراسة إلى رئاسة مجلس الوزراء اللجنة الاقتصادية لإقرار المناسب وتمت الموافقة عليه.
لافتاً إلى أن السياسة التي اتبعتها الوزارة في التسعير الإداري وتحديد هامش الربح لكل حلقات الوساطة التجارية تمت بناء على دراسات من أرض الواقع لتأمين المواد والسلع بسعر أقل من السوق، حيث إن دراسة الأسعار إما أن تكون مركزية وإما في كل محافظة بالتعاون مع المكاتب التنفيذية والمجالس المحلية. علماً منه بأن التسعير الإداري يتناقض مع تحرير الأسعار، وهو الاستثناء من المنافسة ما يعني تدخل الدولة بشكل مباشر لتحديد الأسعار من خلال تسعير بعض القطاعات أو الأنشطة بشكل مباشر، فيتم تحديد سعر أقصى للسلعة أو هوامش ربح محددة، أو يتحدد السعر ضمن هامش أعلى وأدنى وبشكل مستقل عن تأثيرات قوى العرض والطلب.
وأشار قاضي أمين إلى أن الوزارة حددت بعض الأسعار الإدارية لبعض المواد ولفترات محددة، وفي ظل الارتفاع الملحوظ للأسعار الذي شهدته أسواقنا المحلية قامت الوزارة وبتكليف من رئاسة مجلس الوزراء وبالمشاركة مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وبعض الجهات الأخرى المعنية بدراسة موضوع التسعير الإداري لبعض السلع والمواد التي تمس حياة المواطن اليومية لاستخدامها ضمن سلة تموينية لاستهدافها بالتسعير الإداري.
رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها باسل حموي أكد أنه لابد من تحديد نسب ربح محددة على أن تتم المراقبة عليها كي لا يتم استغلالها من ضعاف النفوس، مؤكداً أن عملية تقديم بيانات التكلفة والتسعير عليها وتقديم أوراق وثبوتيات على التكلفة يعتبر من الصعب حالياً وهذا أمر يعتبر من المسلمّات عند الصناعي والتاجر والموظف والمستهلك، مضيفاً إنه عندما تجد الوزارة شططاً في الأسعار فإنه يمكن تدقيق السعر بالتعاون مع غرف الصناعة لتحديد الكلف بشكل تقريبي.
وبيّن الحموي أن سياسة التسعير تكون ناجحة في ظل وجود استقرار في الإنتاج وتنافس حقيقي لكميات تغطي حاجة السوق من المستورد أو المصنع، مشيراً إلى أنه في ظل غياب التنافسية ووجود طلب أكثر من العرض يمكن أن يظهر مبالغة في الأسعار وعدم التقيد بنسب الربح المنطقية.
وتابع عضو غرفة صناعة دمشق وريفها بدر الناطور بالقول: لسنا مع التسعير الإداري لأنه يفتح باباً من أبواب التلاعب وبالأخص في المجال الصناعي، مضيفاً: لا يمكن لحظ بيان التكلفة باعتبار أن الظروف متغيرة ومتبدلة وهناك مبالغ كبيرة تدفع، ولا سيما في الصناعات النسيجية و(الألبسة) تحديداً والتي تحمل قيماً مضافة تعتمد على الأقمشة التي كانت تصنع محليا كمادة أولية ولكن حالياً باتت تعتمد على الاستيراد، مع تراجع صناعة الأقمشة بنسبة 90%.
وأضاف الناطور: إن التسعير يضر بصناعة الألبسة ويعيدها للوراء بدلا من تطويرها، كما يعوق عمل المعامل القائمة حالياً والتي تعمل بربع طاقتها، معتبر أن سياسة التسعير لم تنجح في ظل الظروف الطبيعية فكيف خلال الوقت الراهن مع تأثر الصناعة وقلة المواد الأولية وصعوبات النقل والطاقة وتضرر المعامل وصعوبة حساب التكاليف.
واقترح الناطور أن يتم طلب فاتورة من المنتج أو المصنع دون مطالبته بجدول تكاليف للمنتج، وإذا كان لابد من التسعير فيمكن اعتماد فاتورة المصنع، مضيفاً إن لا احتكار في المنتجات الصناعية خاصة النسيجية لأنها تسبب خسارة للمحتكرين باعتبارها تعتمد على المواسم والموضة.
وفي حديثه قال الباحث الاقتصادي الدكتور عابد فضلية: إن هم الوزارة اللجوء للتسعير الإداري وهو عبارة عن إعادة النظر بما تم اتخاذه منذ عدة سنوات فترة حكومة العطري عندما تم تحرير معظم الأسعار لتترك قوى السوق لتفاعل العرض والطلب، معتبرا أن الأسعار مازالت فوق الحد الطبيعي، مشيراً إلى أن ما صرح به رئيس غرفة تجارة دمشق عن فشل سياسة التسعير يعتبر في سياق دقيق ضمن حدود أنه أدرى بتأثيره في التجار، باعتباره لا يتحدث من مصلحة خاصة وهو يدرك تماماً ماذا يقول؟!
وأوضح فضلية أن التسعير صعب جداً في ظل الأزمة الراهنة وتذبذب سعر الصرف وبالتالي تغير التكلفة بين يوم وآخر، ما يجعله غير ممكن وغير مجد، منوها بأنه إذا تم التسعير لسعلة ما بشكل موضوعي، بحيث يتم لأيام قليلة معدودة وبالتالي يجب إعادة النظر كلما تغيرت عناصر التكلفة، وهذا ما نلحظه أن عناصر التكلفة غير مستقرة وبالتالي فإن إعادة التسعير في ظل تذبذب سعر الصرف ليس بالمسألة السهلة، معتبرا أن البديل عن التسعير حالياً مع تعذر ضبط مستوى الكلفة هو الرقابة المكثفة على الأسواق.
وقال فضلية إن التاجر المستفيد من عدم التسعير هو المحتكر لسلعة ما، بحيث في هذه الحالة يجب عدم ملاحقة أسعاره إنما ضبط الاحتكار القائم، مشيراً إلى مخالفة التسعير عندما يكون غير مجد للتاجر والبائع والمستورد، مضيفاً إن التجار على أصناف، منهم الجشع والمحتكر والمتعاون والقانوني والمبادر، ونحن لا نراهن على أخلاقية أي أحد من التجار وإنما على الرقابة الموضوعية الفعالة والعوامل الموضوعية التي تساعد على ذلك من استقرار سعر الصرف، حيث إن التسعير لا يخلق أسعارا منخفضة وإنما يكون انخفاض الأسعار عبر توفير البيئة المناسبة للتبادل والإنتاج والاستيراد والرقابة على النوعية، ما يجعل السوق أفضل والأسعار أكثر عدالة وموضوعية.
ولفت لوجود نوع من التجار مستفيدين أكثر من غيرهم ممن لديهم قدرة احتكارية أو سلعة مميزة وضرورية ولها جانب احتكاري، بحيث يسعّرون حسب أهوائهم وحسب الندرة والوفرة وليس حسب التكلفة، مشيراً إلى أن الحالة الوحيدة التي ينجح فيها التسعير عندما تكون السلعة منتجة من قبل الدولة أو هي من تستوردها، وهنا يتم وضع سعر إداري يفرض من قبل الوزارة .
فادي بك الشريف - عمار الياسين
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد