برتولد بريخت.. مذاق الحرية لا وهم الأبدية
«حياة الإنسان بأكملها بين يدي الإنسان» هذا هو مسرح بريخت الذي تنسم الحياة في ضوء الماركسية, وتحاشى أن يكون مسرحه حزبياً دعائياً وإنما مساهم في البناء الايجابي, فكان معلم الوعي بامتياز يدعو للفهم والحوار من أجل أن يعيد للإنسانية انسجامها المفقود.
وقف حياته كلها على تجديد الفن المسرحي وأحدث ثورة جذرية, في المسرح الذي يقوم على التطهير والتعاطف, والتباهي, وقال إن له وظيفة هي تغيير الواقع من خلال توعية المشاهد أو المتلقي ومن ثم فإن المتلقي يسعى إلى التغيير. 
انحاز إلى الشعب فهو موضوع الدراما, يحكي الأوجاع اليومية والصعوبات الاجتماعية للإنسان. وشعور الحرية يطبع أعماله فما يعرضه بريخت ليس العالم الأبدي للأهواء الإنسانية, وإنما يعرض عالماً قوامه التحول, ويرى أن الحرية فيه معرضة للخطر, ما يستدعي العلاج فكان يميل إلى إعادة التفكير في حياته ما أكسبه إبداعاً مميزاً قوامه الشاعرية والعقلانية, فلم تمنعه الأولى من الاهتمام بشؤون العالم ورأى من واجبه أن يتكلم عن أوجاع البشر على الأرض لأنهم ملحها.
أعمال بريخت رمز للقوى العقلانية, وأضواء المسرح تكشف عن هذا الأمر فهي متساوية قوية تجري حكايته الهوينى بتواصل إلى غايتها لأن الأهم لديه هو العمل المسرحي والناس الذين يقدمون العرض, بأداء مألوف بعيداً عن الرومانسية والعظمة والبهرجة... وما يهمه تنوع الأداء القادر على التواصل بكل وضوح لأن الأهم هو التغيير, تغيير الأقدار وهذا هو الشعور بالحرية على نحو واع يحرك مسرحه ورسالته الإنسانية في أعماله وأسلوب إخراجه, يعرض عالماً قيد التحول, والحرية فيه معرضة للخطر, بمعنى أن ما يريده: ليس الأهواء أو الدفاع عن نظام قائم, لذلك ما توضحه مسرحية (رجل برجل) التي ترصد العلاقة المتبادلة بين الفرد والمجتمع, وكلاهما ينتج الآخر على نحو متناقض بحيث لا يمكن وصف الإنسان بمعزل عن مجتمعه ووصف العالم الذي يعيش فيه, وبذلك يمكن ملاحظة تغير الفرد, والعالم المحيط إذ ليس من شيء ثابت, وكل شيء في صيرورة, كل شيء يتغير بحسب قوانين لابد من كشفها للسيطرة على العالم..
مسرح بريخت يدخل في عداد التحريض الذي يوقظ التفكير والعمل, بطريق الفن وهذا الذي جاء بالشعر الدرامي من جديد ليغني ويفرح الناس وهم في غمرة صراعاتهم وهمومهم, فالحقائق لا تكفي, وقد تكون هناك حقائق لا قيمة لها ولا تجدي نفعاً في تحسين مصائر الناس, إذاً هو يقول الحقيقة التي تستحق أن تقال, والفن يمنحها القوة لتقويض- غير المجدي- بحيث تغدو قادرة على تحويل العالم إلى الأفضل... وهذه هي فكرة المسرح الملحمي الذي انتقل من الأبهة والسحر والجمال إلى إحلال «البرهان» محل الصراخ, وبهذا يكون التعارض بين المسرح الملحمي, والمسرح الدرامي يتعلق بمحتوى العمل الأدبي, وبنيته, وبالأثر الذي يحدثه في المشاهد. قيل في كتاباته النظرية إنها تأمل في فنه, فيما كان يفعله أو فيما قد فعله, وهي ليست مذهباً, ولا وصفة لصنع مسرحيات ناجحة, لكنها ترجمة حساسة في سجل عقل منير,.. يذكر أن بريخت حظي بدراسات وبحوث عديدة ناقدة، عاش بين 1889-1956 من كتّاب النصف الأول للقرن العشرين, صدرت أعماله في عشرة مجلدات في باريس نذكر منها: دائرة الطباشير القوقازية – الأم شجاعة وأولادها- غاليلو- السيد بونتلا وخادمه ماتي – طبول في الليل- انيتفون – صعود ارثورواوي –محاكمة لوكولوس-رؤوس مستديرة- ورؤوس مدببة- كوريولان عن شكسبير- قدسية المسالخ جان.
عفراء ميهوب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد