النفط والسياسة في إيران وروسيا والعراق
استقرت أسعار النفط حول معدل 60 دولاراً الأسبـوع الماضـي في غـيـاب أي عـامل مهم يــؤثـر عليها، إيجاباً أو سلباً، رغم التـخفـيض الرمزي في انتاج نيجيريا وفنزويـلا. وسوق النــفط، كجميـع أسواق المواد الاستراتيجية، تتأثر بالعوامل الصناعية والطبيعية، وكذلك السياسية.
ومن الأسباب السياسية لهبوط الأسعار في الشهرين الماضيين، بدء المفاوضات حول الملف النووي الإيراني. والملفت للنظر فيها حتى الآن، أن المحادثات انحصرت بين طهران والطرف الأوروبي. والأهم من ذلك، أن هذه المفاوضات غير الرسمية لم تتطلب من طهران وقف تخصيب اليورانيوم. ومن ثم، يتوقع أن تنخفض الأسعار الى مستويات أدنى في حال وافقت إيران على وقف موقت للتخصيب، او إذا شاركت واشنطن كطرف ثالث في المفاوضات.
وفي حــــال غض النظر عن أي عقوبات ضد طهران (تطالب بها الولايات المتحدة)، ستعتبر هذه المؤشرات تقــــدماً ملحـــوظاً، ولو في المرحلة الحالية على الأقل، خصوصاً قبـــــيل الانتخابات الأميركية في 7 تشرين الثاني (نوفمبر). أما في حال فشـــل المفاوضات، فعندئذ لكل حادث حديث.
يعكس هذا التغيير في الموقف الغربي من ايران، والأميركي بشكل خاص، خيبة الأمل في السياسات الأخرى التي أولتها واشنطن الأهمية في السنوات الماضية.
فقد تصورت واشنطن، ومعها معاهد أبحاث المحافظين الجدد، أن من الواجب تقليص دور دول الخليج، والسعودية خصوصاً، على صعيد صناعة النفط العالمية. وكان محور هذا الطرح زيادة الإنتاج من الدولتين الرئيسيتين اللتين لا تزالان تملكان احتياطي نفطياً ضخماً مؤكداً، وهما روسيا والعراق. وكانت الفكرة أن يفسح المجال أمام الشركات النفطية الغربية استثمار في روسيا من خلال القوانين الليبرالية التي تم تشريعها في تسعينات القرن الماضي، وتغيير النظام السياسي في العراق وفتح المجال للاستثمارات الأجنبية.
إلا أن الأمور لم تتطور كما اشتهتها واشنطن - لا في موسكو ولا في بغداد.
فقد سحبت السلطات البترولية الروسية الأسبوع الماضي رخصة الحفر من شركة «شل» الهولندية – البريطانية في مشروع تطوير غاز «سخالين -2» العملاق، لأن المشروع يشكل «خطراً على الحيتان» المتواجدة قرب ساحل المحيط الهادي في شمال شرق روسيا. والسبب الحقيقي هو محاولة إعطاء دور أكبر الى الشركات الروسية في المشروع.
وهناك نزاع من نوع آخر بين السلطات الروسية وشركة «اكسون موبيل» حول مشروع «سخالين -1». إذ تدعي الشركة الأميركية أن التكاليف قد ارتفعت بشكل باهظ جداً في الفترة الأخيرة. وبحسب اتفاق مشاركة الانتاج، تستطيع الشركة العاملة حسم نسبة معينة من هذه التكاليف قبل أن تدفع الأرباح لموسكو، مما يعني خسارة بلايين الدولارات للسلطات الروسية. وقد هددت موسكو بسحب الرخصة من «اكسون موبيل» بسبب هذه الحجج.
كما أن الكرملين غير مرتاح لاتفاقات مشاركة الانتاج التي وقعت مع الشركات الغربية في تسعينات القرن الماضي عندما كانت أسعار النفط منخفضة، ويطالب الآن بإعادة النظر فيها. ووصلت الأمور إلى درجة أن رئيس الوزراء الفرنسي طلب قبل اسبوعين رسم «استراتيجية اوروبية مشتركة» للطاقة، وأن يعين الاتحاد الأوروبي «ممثلاً خاصاً للطاقة» يكون دوره شبيهاً بدور خافيير سولانا في السياسة الخارجية.
والسؤال المطروح في أروقة الكرملين: ما هو مستوى الإنتاج المنشود في الأعوام المقبلة؟ وهذا السؤال لا يختلف كثيراً عما يطرح في الكويت منذ فترة أي ما هي مصلحة البلد في مستوى إنتاج معين، وما هي السرعة المنشودة والكلفة المترتبة في زيادة الانتاج؟ وكم من الاحتياطي النفطي يجب توفيره للأجيال المقبلة؟ وعلى رغم كل الكلام عن زيادة الانتاج الروسي، فإن الهدف زيادة الانتاج من النفط الخام والسوائل في السنوات العشر المقبلة من مستوى 9.7 مليون برميل يومياً في 2006 إلى 11.6 مليون برميل يومياً في 2013.
وفي العراق، حيث حان الوقت للإهتمام جدياً بتطوير صناعة النفط، بعد ثلاث سنوات ونصف من تغيير النظام السابق، تعصف خلافات سياسية وعنف طائفي باستقرار ومستقبل البلاد، ما يجعل تصور استقطاب الاستثمارات الأجنبية في ظل هذا الجو غير الآمن احتمالاً صعباً جداً، على رغم حاجة البلاد للأموال الإضافية والرغبة الجامحة للشركات النفطية الدولية في ولوج قطاع النفط العراقي.
فليس ممكناً تصور تطوير قطاع النفط، بعشرات بلايين الدولارات من الاستثمارات والآف الموظفين في الحقول والمكاتب، مع عمليات النحر والقتل والخطف والابتزاز اليومية من قبل المليشيات التي تشارك احزابها في الحكومة والبرلمان.
ويصعب كذلك تصور تطوير قطاع النفط مع الخلافات الحادة حول مستقبل البلاد الفيديرالي.
فقد صيغت البنود النفطية في الدستور بطريقة مريبة وغامضة وقابلة لتفسيرات متعددة، ما يثير شكوكاً حول وجود نية حقيقية من قبل اولئك الذين صاغوا هذه المواد خصوصاً في بناء صناعة نفطية عراقية متكاملة، تأخذ في الاعتبار مصالح الأقاليم والمحافظات من جهة، ومصلحة الشعب العراقي ككل من جهة أخرى كما هو منصوص في الدستور.
وانتقد رئيس وزراء أقليم كردستان العراق نيجرفان البارزاني الأسبوع الماضي، وبلهجة قاسية، تصريح وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني، اعتبر فيه الأخير الوزارة الفيديرالية مسؤولة عن مراجعة جميع عقود الاستثمار النفطية مع الشركات الدولية. وهدد البارزاني قائلاً: «إن شعب كردستان اختار أن يكون في اتحاد طوعي مع العراق على أساس الدستور». وأضاف أنه «إذا رفض الوزراء في بغداد الالتزام بهذا الدستور فإن شعب كردستان يحتفظ بالحق في إعادة النظر في اختياره». وهذا التهديد المبطن بالإنفصال ما هو إلا مثال بسيط لما يمكن توقعه في المستقبل المنظور من خلافات في تفسير الدستور والدفاع عن المصالح الاقتصادية لهذا الطرف او ذاك.
كما أن تأجيل القرار حول أقليم الجنوب والوسط نحو سنة ونصف لن يساعد أيضاً. إذ أن هذا «الهروب إلى الأمام» سيعني أن الشكل الدستوري والقانوني لهذه المنطقة الغنية بالنفط سيبقى معلقاً، ومن دون أطر واضحة المعالم.
هذه التطورات السلبية، وما سيرافقها من اضطرابات سياسية وأعمال عنف، ستؤخر تطوير صناعة النفط العراقية فترة أخرى، كما تأخرت في العقود الماضية بسبب الصراعات الداخلية والحروب، وسيفقد العراق إمكان زيادة طاقته الإنتاجية المتاحة على ضوء الاحتياطات المتوفرة لديه، والتي يستطيع من خلالها زيادة الانتاج الى أكثر من 6 ملايين برميل يومياً، بدلاً من 2.3 مليون برميل يومياً في الوقت الحاضر.
إضافة تعليق جديد