الحملة التركية على الأكراد: حكاية «كا جي كا» من الألف إلى الياء
منذ أشهر عديدة واسم «كا جي كا» يتردد بكثافة في وسائل الإعلام التركية. وفي ذلك إشارة إلى العمليات الأمنية التي تستهدف اعتقال كل البنية المدنية الفاعلة التي تؤيد حزب العمال الكردستاني في تركيا والتي تحمل اسم «اتحاد المجتمعات الكردية»، والتي تعرف اختصاراً وفقاً للأحرف الأولى من كلماتها باللغة الكردية بـ «كا جي كا». وهي تعني المجتمعات الكردية في تركيا وسوريا والعراق وإيران.
وعمليات الاعتقال والمحاكمة والسجن تطال كل ما يمكن أن تشتبه فيه الحكومة بدعمه للقضية الكردية من محامين وأساتذة جامعات ورؤساء بلديات وصحافيين ونقابيين، بل حتى نواب حاليين وسابقين. وتتهمهم الحكومة بأنهم يدعمون «الإرهاب».
وإذا كانت هذه العمليات تكثفت بعد الانتخابات التي جرت في 12 حزيران 2011 فإن التساؤل يبقى دائماً عن مغزى تعامل حكومة حزب العدالة والتنمية مع القضية الكردية بهذه الطريقة، وما إذا كان ذلك على علاقة بإعداد دستور جديد بعد أن يتم إضعاف القاعدة العريضة المدنية لحزب العمال الكردستاني، أم أن لذلك علاقة بحسابات رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان للوصول إلى رئاسة الجمهورية بأصوات القوميين الأتراك أم غير هذا وذاك.
في هذا الإطار، يشرح رئيس «حزب السلام والديموقراطية» الكردي صلاح الدين ديميرطاش إلى الكاتب في صحيفة «ميللييت» حسن جمال حقيقة ما يجري.
يقول ديميرطاش إن حكومة اردوغان تعرف جيداً هوية الذين تعتقلهم، ومن هو اتحاد المجتمعات الكردية، ولكن ما تقوم به هو جزء من مشروع كبير يهدف إلى تصفية المجال المدني للحركة الكردية، موضحاً أن عدد المسجونين ممن ينتمون إلى هذه البنية وصل إلى 6300 شخص.
يقول ديميرطاش إن عمليات الاعتقال ضد «كا جي كا» بدأت في 19 نيسان العام 2009، لكن من الصعب فهم ما يجري اليوم من دون معرفة بعض المحطات السابقة:
1- إن زعيم «الكردستاني» عبد الله أوجلان كان، قبل اعتقاله في شباط العام 1999، يريد حل المشكلة الكردية خارج إطار دولة مستقلة، لكنه في السجن طوّر هذه الفكرة إلى أن تكون تركيا دولة كونفدرالية، بحيث يمتلك الشعب الكردي حكمه الذاتي.
2- بين عامي 1999 و2004 أعلن حزب العمال الكردستاني أكثر من مرة وقفاً لإطلاق النار، وغادر عناصره تركيا إلى خارجها. وفي هذه الفترة بدأت الدولة الكردية اتصالات مع قادة «الكردستاني» في جبال قنديل ومع أوجلان في سجنه، لكن حزب العدالة والتنمية لم يكن متحكماً بمسار الاتصالات لأنه لم يكن متحكماً تماماً بالدولة.
3- في العام 2005 عاد حزب العمال الكردستاني من جديد إلى العمل المسلح، متهماً الحكومة بالتلاعب والمناورة في الاتصالات. وأعلن أن الحكم الذاتي وتأسيس المجتمع الكونفدرالي هو أساس الحل للقضية الكردية.
4- وبدأ حينها مباشرة العمل على تشكيل منظمات ولجان شعبية في كل أنحاء المناطق الكردية.
5- واتخذت هذه اللجان صفة رسمية بتحوّلها إلى جمعيات مرخّص لها، وباتت تعرف بـ «كا جي كا»، ويمكن أن تضم الفئات غير الحزبية والتابعة لحزب العمال الكردستاني.
6- بين العامين 2005 و 2009 لم تتعرض الدولة لهذا الاتحاد لأنها لم تر فيه أي تهديد.
7- في العامين 2008 و2009 أعيد تنظم المجالس المحلية بمشاركة واسعة من الجمعيات والأحزاب والأفراد الأكراد.
8- في هذا الوقت، في العام 2008 بدأت مباحثات سرية بين الدولة وحزب العمال الكردستاني في أوسلو ومع أوجلان في السجن. وكانت نتيجتها إعلان الحزب أكثر من مرة وقفاً لإطلاق النار، وآخرها في 13 نيسان العام 2009 بعد الانتخابات البلدية ذلك العام. لكن بعد يوم واحد بدأت أولى عمليات الاعتقال في صفوف اتحاد المجتمعات الكردية.
9- والسبب أن المجالس المحلية التي شكلها هذا الاتحاد في المدن والقرى جالت على منازل الأكراد منزلاً منزلاً، وانتهت الانتخابات البلدية إلى انتصار كبير للحزب الكردي الذي كان يخوض الانتخابات، أي «المجتمع الديموقراطي». وظهر لحزب العدالة والتنمية أهمية هذه المجالس في إحراز الانتصار الكردي وهزيمته. وبدأ مباشرة اعتقالات فردية تحوّلت إلى عمليات اعتقال شاملة وفي كل مكان ولكل الناس بدءاً من خريف 2009.
10 - ربطت الدولة المعتقلين باسم «كا جي كا»، لكن الأمر ليس كذلك، إذ لم يكن هناك تنظيم بهذا الاسم في الأساس بل هو مجرد «نموذج». والمعتقلون هم من الجمعيات المدنية، ولكن الدولة أرادت أن تربط اسمهم باسم تنظيمي لتحويل التهمة إلى جرم، علماً أن مطلب الحكم الذاتي وترك مطلب الدولة المستقلة هو تعبير عن صميمية الأكراد للعيش مع الأتراك معاً وليس الانفصال.
11- وبهذه الطريقة من التعامل مع الأكراد فإن حكومة حزب العدالة والتنمية تريد بالعمليات ضد «كا جي كا» أن تصفّي القضية الكردية وتفرض الحل الذي تريده على الأكراد بعد أن تكون قد كسرت أي جهة مقاومة لمثل هذا الحل.
ويفصل ديميرطاش نوعيات المعتقلين على الشكل التالي: 6 نواب، 94 صحافيا، 30 موزعا صحافيا، 36 محاميا، 31 رئيس بلدية، 7 نواب رئيس بلدية، 5 رؤساء بلدية بالوكالة، 183 قيادياً حزبياً، 28 عضو مجالس حزبية، 6 أعضاء لجنة تنفيذية، 2 نائب رئيس حزب، 400 طالب جامعي. من جهة ثانية هناك تحت التحقيق: 140 نقابياً. ومجموع المعتقلين والموقوفين يبلغ 6300 شخص. أما الحكومة فتقول إن العدد هو 110 فقط. وهذا يشمل فقط قياديين في الحزب وفقاً لقانون العقوبات، لكنه لا يشمل كل الآخرين الذين هم من المناصرين وليس الحزبيين.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد