التعصب الديني إلى ارتفاع بين شباب لبنان: بحث عن الهوية والحماية وسط التحدّيات
لم تنجح سياسة «النأي بالنفس» بعد التي تبناها لبنان تجاه الأوضاع الإقليمية المجاورة، في إبعاد اللبنانيين عما يدور حولهم. فالخطابات السياسية والدينية المشتعلة في الدول المحيطة وخصوصاً سورية، تنعكس مباشرة على الداخل اللبناني، لا سيما على فئة الشباب الذين يبحثون عن موقعهم في خضم هذه الثورات العربية. والأثر المباشر الذي لا يمكن إلا ملاحظته خلال الفترة الحالية هو ارتفاع منسوب التديّن بشكل لافت لدى الشباب، في ظاهرة تتخذ أبعاداً مختلفة وتحركها دوافع تتنوع بحسب الطوائف. لكنّ الخطر الكامن فيها أنّها تصل في الكثير من الأحيان إلى درجة التعصّب والتشدد الذي لا يقتصر على الشباب المسلم فحسب، بل يشمل أيضاً أبناء الطوائف المسيحية.
ربط السياسة بالدين
طالما تميّز لبنان بتنوّع الطوائف فيه، لكنّ ظاهرة انتشار التديّن بين الشباب غالباً ما تخضع لظروف كثيرة، وعلى رأسها الخطاب السياسي الطاغي والذي يؤثر مباشرة في تشكيل وعي الشباب. وتشرح المستشارة الاجتماعية ريتا حنا أنّ التديّن يعكس رغبة في الاحتكام إلى مبادئ وقيم معيّنة تحكم حياة الفرد، كما يمكن أن يعبّر عن حاجة الفرد للانتماء إلى مجموعة معيّنة تكون ذات طابع محلي أو إقليمي أو عالمي. وتفرّق حنا بين التديّن الحقيقي الذي يُعبّر عن الإيمان بالدين والالتزام بفروضه والتديّن الشكلي حيث تكون الشعائر الدينية مجرد وسيلة لإيصال رسائل سياسية أو اجتماعية معيّنة. وتؤكد حنا أنّ ما يحصل اليوم هو ربط السياسة بالدين، حيث أصبح التديّن مرتبطاً مباشرة بالانتماء إلى أحزاب أو تيارات متشدّدة غالباً ما تنظر إلى الآخر ذات الطائفة المختلفة بنظرة دونية أو إقصائية.
هذه الوقائع تثبتها الدراسة التي أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت تحت عنوان «في وصف الشباب اللبناني: دراسة وطنية ونفسية – اجتماعية»، حيث تبيّن أنّ واحداً من كلّ ثلاثة شباب «يكره» الآخر إذا كان لا ينتمي إلى طائفته، كما أنّه يرفض الزواج بشخص من طائفة أخرى. وفي هذا المجال يختلط مفهوما التديّن والطائفية، على رغم أنّهما لا يشيران إلى المعنى نفسه، فيمكن للشخص أن يكون متديّناً وغير طائفي أي لا يكنّ مشاعر سلبية تجاه الآخرين. كما يمكن أن يكون طائفياً وغير متديّن أي أنّه يكره الأشخاص من الطائفة الأخرى، من دون خلفيات دينية بالضرورة. لكن في لبنان، يجد الشباب أنفسهم منساقين إلى الارتباط بطائفتهم أو مذهبهم، كما تقول حنا، ما يدفعهم إلى إظهار تديّنهم أكثر فأكثر والتعبير عنه علناً بكل الوسائل المتاحة لهم.
تمييز الشباب المتديّنين في لبنان أصبح سهلاً جداً، فالشعارات الدينية تبرز أكثر فأكثر عبر الشكل أولاً وليس عبر السلوكيات أو التصرّفات، وهذا ما يُعبّر عنه باللحى الطويلة والحجاب للمسلمين أو الصلبان وصور القديسين للمسيحيين. وحتّى شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هذه الظاهرة الآخذة بالانتشار، إذ تأسس منذ فترة قصيرة العديد من الصفحات على موقع «فايسبوك» مكرّسة كلّها للتبشير الديني من قبل مختلف الطوائف، ويتّسم معظمها بالتطرّف الواضح من خلال التحريض على الأديان الأخرى والذمّ بها والدعوة إلى اتّخاذ إجراءات جذرية غالباً ما تتخطّى الحدود اللبنانية إلى الدول المجاورة.
ويقول حيدر ش.، وهو شاب لبناني أسّس إحدى هذه الصفحات، إنّ شبكات التواصل الاجتماعي هي الطريقة الأساسية لإظهار ردّ فعل الشباب تجاه ما يجري في المنطقة العربية اليوم. ويضيف أنّ هناك حالة غليان حاصلة بين الطوائف والمذاهب، وهذا ما يدفع كلّ شخص إلى «التمسّك بدينه والتعمّق به أكثر لكي لا يكون في موقع المتفرّج على ما يحصل فيما هناك انتهاك لحرمة بعض الطوائف». من جهته، يرى الشاب الياس نخله أنّ التديّن لدى الشباب المسيحي نابع من الخوف والقلق من اندثار الثقافة المسيحية في ظلّ بروز تيارات كثيرة متشدّدة في المنطقة العربية. ويشدّد نخله على أنّ هناك أحزاباً وتيارات سياسية تحمل راية المسيحية تشيع أجواء التشدّد في لبنان، وهذا ما يدفع بعض الشباب إلى المبالغة في إظهار تديّنهم من دون أن يعني ذلك أحياناً كثيرة الالتزام بالمبادئ الدينية الحقيقية. ويُضاف إلى كلّ ذلك أيضاً، الأوضاع الاقتصادية المتردّية في لبنان، التي تزيد من التعصّب الديني بين فئة الشباب وحاجتهم لزعماء الطوائف التي ينتمون إليها. وعلى رغم أنّ المسؤولين الروحيين يؤكدون مراراً وتكراراً الحوار والاعتدال وعدم استثمار الدين في التجاذبات السياسية، فإنّ الوضع الحالي يميل إلى اتجاه معاكس تماماً، ما يثير الكثير من المخاوف حول مستقبل لبنان في ظلّ نشوء جيل شاب يتجاوز التديّن إلى التعصّب المتطرّف.
فيرونيك أبو غزالة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد