البندورة وإشكالية الأرقام
وحتّى في البندورة توجد إشكالية الرقم، فلا أرقام دقيقة للإنتاج ولا للمساحات المزروعة منها بترخيص نظامي ولا تلك المزروعة بغير ترخيص، وبالتالي لا يوجد رقم دقيق للبندورة الفائضة عن الحاجة المحلية.
مع وجود بعض التقديرات التي تعتبر الفائض أكثر من خمسة أضعاف الحاجة اليومية لسورية، كما أنّه لا أرقام دقيقة لشريحة منتجي البندورة والمتعيشين منها، ومادام الرقم الإنتاجي غير دقيق فإنّ حصة المواطن السوري المعلنة من البندورة «50كيلو» في السنة غير دقيقة أيضاً، ومادامت الدولة فقدت الأرقام الصحيحة الخاصّة بمكوّنات سوق البندورة فإنّ أيّ قرار اقتصادي وزراعي خاص بالبندورة إنّما يقوم على أسس ارتجالية، ودون معرفة بمنعكسات القرار..
وتصبح إشكالية الرقم المدخل إلى إشكالية ما يسمّى بالتدخل الإيجابي للدولة في سوق البندورة والذي تتجسّد أدواته بثلاثة عوامل أحدها دائم مرتبط بكون أسعار البندورة كباقي الخضار والفواكه غير محررة، ويتجسّد عاملان آخران لأدوات الدولة بالتدخل الإيجابي هما «منع تصدير البندورة» و «أسعار بيعها الأرخص في المؤسسة العامة للخزن والتسويق» ولكن أيّ مناقشة موضوعية لأدوات التدخل الإيجابي المذكورة في سوق البندورة تؤدي إلى الشكّ بإيجابية تلك الأدوات؟!
- حسب مديرية التخطيط والإحصاء في وزارة الزراعة، فإنّ الإنتاج الذي كان مخططاً لعام 2007 من البندورة هو مليون و25ألف طن، ولكن الإنتاج الذي تحقق هو 950 ألف طن، بينما الإنتاج المخطط لهذا العام مليون ومئة ألف طن، وفي حال أمكن إنتاج 900 ألف طن منه فيعتبر «نعمة» في ضوء الظروف الجوية التي مرّت على سورية هذا العام، وإنّ إنتاج هذا العام من الزراعة المحمية 450 ألف طن بندورة..
وحسب المديرية المذكورة فإنّه يوجد في سورية 116ألف بيت بلاستيكي للزراعة المحمية، منها 75 ألف بيت بلاستيكي لزراعة البندورة تتركّز في طرطوس، وتضرر منها بسبب الظروف الجوية بما يعادل «50 ـ 60 ألف طن انخفاض إنتاج»، ولكن أعيدت زراعتها لتعطي إنتاجها بالشهر الخامس والسادس..؟ ويفترض أن تنعكس على الأسعار إيجابياً..
ولكن هذه الأرقام أصبحت غير دقيقة في ضوء «تفاعلات» قرار منع تصدير البندورة، حيث كثرت مطالبات المنتجين وبعض الجهات الرسمية بإيجاد سبل تصديرية لبندورة طرطوس «البلاستيكية»، وتمّ الاعتماد على أنّ الإنتاج اليومي من تلك البندورة في طرطوس يبلغ 1200طن بندورة يومياً، وهو أكثر بكثير من الحاجة الحالية للسوق السورية، وأسعارها رخيصة مقارنة بأسعارها في الجوار، ويمكن في حال تصديرها تحقيق أرباح للمنتجين والبلد..
ويعلّق السيّد حسان قطنا، مدير التخطيط والإحصاء في وزارة الزراعة على ذلك بالقول: إذا كان الإنتاج اليومي للبندورة من الزراعة المحمية في طرطوس 1200طن بينما الحاجة اليومية لكامل سورية من البندورة 200طن فقط، فأين يذهب ذلك الفائض الإنتاجي؟!..
ويوضّح بأنّه سيتمّ إحصاء المساحات المزروعة بالبندورة، وفق وحدة المساحة وليس وفق عدد البيوت البلاستيكية، إذ توجد بيوت بلاستيكية بمساحة كبيرة ومنها بمساحة صغيرة ومع ذلك كانت الإحصاءات تصدر متضمّنة عدد البيوت البلاستيكية..
- باتت المعلومات الرسمية مؤكدة بأنّه يتمّ تهريب للبندورة، وتصبح الحالة الطبيعية أنّه مادامت كانت صالحة للتصدير النظامي وتمّ منعها، تبقى صالحة للتهريب تصديراً، بسبب الأسعار المرتفعة لها لدى دول الجوار..، وثبت بأنّ المهربين حققوا أرباحاً أكثر من أرباح مزارعي البندورة..؟!
ولكن يبقى السؤال: عندما منعت وزارة الاقتصاد تصديرها هل بنت قرارها على معلومات وبيانات إنتاجية دقيقة للبندورة؟ وهل علمت أنّ لدى طرطوس إنتاج يومي يبلغ ستة أضعاف الحاجة اليومية لسورية، كما تقول إحصاءات طرطوس؟ وهل حسبت وزارة الاقتصاد الفائض عن الحاجة المحلية؟ أليس المنطقي البحث دائماً عن أسواق لتصدير الفائض من السلع السورية؟ وهل قوانين اقتصاد السوق الاجتماعي وقراراته تقبل باتخاذ قرارات دون معرفة منعكساتها؟ وهل اتخاذ القرارات تجريبية فلا يمكن معرفة منعكساتها إلاّ بعد اتخاذها؟ ومادام التصدير ينعكس سلباً على سوق البندورة، ويرفع من أسعارها محلياً، ألا توجد إمكانية لضمان تصدير لا يسبب رفع الأسعار في سوق البندورة؟! وأين الحلول التي ترضي المستهلكين والمنتجين معاً..؟! هل حسبت وزارة الاقتصاد منعكسات منع التصدير على «الإنتاج» الكبير من البندورة الذي قد يصبح مستقبلاً إنتاجاً متناقصاً نتيجة تخلّي شريحة من المنتجين عن زراعة البندورة..؟!
يمكن هنا طرح وجهة نظر قالها مدير التخطيط والإحصاء في وزارة الزراعة بأنّه لابدّ من وجود مؤسسات تسويقية لدى القطاع الخاص تنظم الأسواق، وعرض البضائع وقادرة على ضبط الأسعار، وينطبق هذا على شتّى الخضار والفواكه، بدلاً من الحالة غير المنظمة والتي تنتج عنها مشكلة بين الحين والحين في سلعة ما..
- أسعار البندورة كغيرها من الخضار والفواكه غير محررة، وحسب مديرية الأسعار في وزارة الاقتصاد فإنّ أسعار الخضار والفواكه تصدر بنشرات دورية من مديريات التجارة الداخلية في المحافظات، وعبر لجنة تراعي أثناء تقدير كلّ نوع مدى تداوله والكميات الموجودة منه..
ولكن التسعير غير المحرر للبندورة لم يثبت فعاليته في ضبط أسعارها، إذ مع أنّ سورية تنتج يومياً بندورة فائضة عن الحاجة ومع ذلك يصدر التسعير مرتفعاً، وهو في النهاية «يساير» مسألة ارتفاع الأسعار، وأكبر دليل على ذلك عندما تجاوزت أسعار البندورة الـ60ل.س للكيلو الواحد قبل منع تصديرها، كان التسعير الرسمي لها مرتفعاً على الرغم من وجود فائض فيها..
أداة التدخل الإيجابي الثالثة للدولة في سوق البندورة تتمثّل بتخفيض أسعارها في صالات مؤسسة الخزن والتسويق بأقل من أسعار السّوق، ولكن لا تستطيع المؤسسة المنافسة لأنّ الشريحة التي يمكنها التعامل مع صالات ومنافذ البيع في مؤسسة الخزن والتسويق شريحة قليلة من المواطنين أمام الشريحة العظمى التي تتعامل مع البقاليات ومحلات الخضار والفواكه، ويفيد هنا أحد المستهلكين للبندورة بكثافة ويقطن في الريف: هل من يريد شراء بندورة من مؤسسة الخزن مثلاً عليه أن يأخذ تكسي للوصول إلى صالة لها أو ينزل من الريف إلى صالة للخزن في المدينة كي يشتري بندورة أرخص من سعر السّوق؟!
ظافر أحمد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد