الأوروبيون: نفط سوريا محظور ونفط لصوص المعارضة مسموح
مع استعدادهم لرفع الحظر عن النفط والطاقة، يقرّ الأوروبيون بشكل رسمي واقعاً سورياً جديداً. في وثائقهم، لن يعودوا يتعاملون مع جغرافيا واحدة تسمّى سوريا. هناك نفط سوري، وابتداء من اليوم سيكون عند الأوروبيين نفطان. نفط المعارضة، ونفط النظام. النفط ليس فكرة أو أيديولوجيا، ومعيار التحديد بسيط: الجغرافيا ومَن يسيطر عليها.
لا يعني وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، وهم يلتقون في لوكسمبورغ اليوم، عناوين محتملة جديدة مثل: قصف النظام السوري قوافل نفط للمعارضة كانت في طريقها إلى الحدود التركية، أو اشتباكات بين كتائب المعارضة للسيطرة على حقول النفط. بالنسبة لهم سيكون رفع هذا الحظر «تجربة براغماتية»، على حد تعبير مصدر أوروبي رفيع تحدث للصحافيين في بروكسل، طالباً عدم كشف هويته. سيكون الأمر اختباراً، وبعدها يمكن الحديث عن رفع عقوبات أخرى. بعيداً عن النيات، سيمكن تعزيز واقع جديد لا مجال لقياسه سوى بمعيار الجغرافيا، وتحت عناوين: تجارة المعارضة وشركاتها ومصارفها.
«السفير» سألت المصدر إن كان الأوروبيون يفكرون بواقع التقسيم ومخاوفه، فردّ بأن «القضية تتعلق فقط بدعم السكان وتخفيف معاناتهم عبر توفير حاجاتهم ومصادر تمويل جديدة». المصدر يتحدث عن استجابة الأوروبيين لانتقادات كثيرة تعرضوا لها، من المعارضة ومن الأمم المتحدة والمبعوث الأخضر الإبراهيمي، بأن عقوباتهم تؤذي الناس وليس النظام وقواته.
الأمر يتعلق بجوانب «المساعدة فقط»، كما يشدّد المصدر، وليس بدافع سياسي يتعلق بتعزيز إدارة ذاتية لمناطق تديرها المعارضة، وليس تكريساً لصراع مستدام. وإن كان من شبهة سياسية ترتبط بموضوع التقسيم، يقول المسؤول الأوروبي بابتسامة ساخرة، فالأفضل «الذهاب وسؤال الجامعة العربية التي أعطت مقعد سوريا للمعارضة».
يسند رأيه ذلك بأن الأوروبيين سيتعاملون مع سكان بحاجة لكهرباء ووقود، وبحاجة لموارد مالية تتسلمها المعارضة، مضيفاً بالقول «لا أرى أبداً أن الأمر هنا يتعلق بالتقسيم. الهدف جلب المساعدة فقط.
فمثلاً لا يوجد في حلب بالمطلق مناطق محررة أو سلطات معارضة تديرها».
داخل هذه الأطر يبرع الأوروبيون في الفلسفة، ولا يجدون متاعب تتعلق بالصياغات المرتبطة بالتعامل مع حظر الأسلحة أو رفعه. طاقة وتجارة ومصارف، هذه أبجديات «القوة الناعمة» التي لا يتجادلون حولها. إنهم هكذا يدشنون مرحلة جديدة من تعاطيهم مع الصراع السوري، يسمّونها «المرونة في سياسة العقوبات». ومهما كانت التسميات فهي فرض عقوبات على جغرافيا ورفعها عن أخرى. تحدث المصدر الأوروبي عن «سلطات محلية» معارضة يُستجاب لها، وحرص على عدم إفادة النظام السوري و«السكان» الموالين في مناطق سيطرته.
سيُستورد نفط المعارضة، وسيُصدَّر لمناطقها الوقود والغاز وتكنولوجيا الطاقة، المتعلقة باستخراج النفط والاستثمار فيه، علاوة على تجهيزات كالتي تتصل بإنتاج الكهرباء. القضية شائكة وسيأخذ تنفيذها وقتاً طويلاً، كما يقر المصدر. المهم الآن موافقة الوزراء لتوفير «شرعية سياسية»، بعدها سيتم الخوض في التفاصيل التقنية.
لكن الأوروبيين يريحون أنفسهم من كل هذه التعقيدات، والسؤال عن أية معارضة تسيطر على آبار النفط والانتقال المحتمل لهذه السيطرة إلى النظام أو مواليه. هم سيتعاطون مع طرف واحد هو «وحدة التنسيق والدعم الإغاثي». الجهة التي أسسها وأدارها، منذ أواخر العام 2012، رئيس الحكومة الانتقالية غسان هيتو. فمن جهة لن يغرق الأوروبيون في التعقيدات التقنية، ومن جهة أخرى يواصلون إمداد الائتلاف المعارض بالنفوذ لإدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. هذه الإدارة الذاتية يتولاها ائتلاف المعارضة، وسيكون لها، وفق تصور «البراغماتية» الأوروبية، نفطها واستثمارتها وتجارتها ومصارفها. لا يخترع الأوروبيون شيئاً، كما يحاججون، فالمصدر يقول «اذهبوا إلى الحدود التركية، وستفاجأون بالعدد الكبير من ممثلي الدول والمنظمات والوكالات الدولية التي تتواجد هناك للعمل» مع الائتلاف.
يعرف الأوروبيون أن التفاهمات مع العامل الكردي أمر جوهري، لكنهم لن يتدخلوا، كما يقولون. سيترك لـ«الائتلاف» تأمين طرق التصدير والاستيراد. شرايين الإدارة الذاتية هذه لا يمكنها القفز إلى تركيا فوق حزام الشمال السوري الكردي، إضافة إلى وجود حقول نفط مهمة في نطاق نفوذه.
عبر «وحدة التنسيق»، التابعة لـ«الائتلاف»، يكون لدى الأوروبيين «كل الضمانات الممكنة» بأن موارد النفط سوف تذهب لـ«الأيدي الجيدة»، كما قال المصدر رداً على تساؤل حول إمكانية استفادة المجموعات الجهادية المتطرفة.
رفع حظر الأسلحة سيناقش اليوم، لكن من دون اتخاذ قرار سيؤجل حتى نهاية شهر أيار المقبل، موعد انتهاء مهلة العقوبات على سوريا، التي مدّدت لثلاثة أشهر. المصدر ترك الأمر معلقاً، مؤكداً أن القرار سيتخذ بالفعل «فقط في المرحلة الأخيرة». سبب هذا التعليق هو التكتم الشديد الذي يغلف مواقف الدول الأوروبية حول ما تريد فعله بحظر الأسلحة، بحسب المصدر الذي قال ساخراً إن مستقبل الحظر يقرر الآن حول طاولة ورق لعب، وصلت لحظة حرجة يمنع فيها التلصّص، إذ أن «الجميع الآن يبقون الأوراق التي في أيديهم قريبة جداً لصدورهم». لذلك، كل الاحتمالات تبقى مفتوحة.
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد