الأسد انتقل إلى المواجهة بعد ان ضمن خلفية جبهته الداخلية وارتاح إلى مستقبله
انشغلت الاوساط الرسمية الاقليمية والدولية بالخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الاسد، لما حمله من إشارات ورسائل مبطنة كمنت أساساً في التوقيت والمضمون، كما شكّل مادة خصبة ليس فقط للتعليق الذي صدر عن معارضة الخارج كما الادارة الاميركية، بل للمتابعة اللصيقة ايضا لما ورد فيه من تعابير قد تحمل مؤشرات إلى مدى الثقة التي ما زال الاسد يتمتع بها، فضلا عن التعويل الدقيق على اللهجة التي استخدمها الاسد لما يمكن ان تكشفه من رسائل معروفة المضمونة ومجهولة المقصد.
وفي وقت حملت فيه معارضة الخارج على خطاب الاسد واعتبرت أنه كان الأجدى لو أعلن عن تنحّيه، في موقف لاقتها فيه الادارة الاميركية باتهام رأس النظام بالتملص من المسؤولية عن اعمال العنف في سوريا، قرأ من التقوا الرئيس الاسد عشية الخطاب وكانوا على بينة من النقاط التي سيثيرها في الخطاب، رسالة موجهة إلى العرب مفادها أنّ الاحداث في سوريا كانت السابقة والاحداث في بلادهم هي اللاحقة، وأنّ تلافيها لا يمكن أن يتمّ الا من خلال اعادة تفعيل دور الجامعة العربية وتخليها عن تنفيذ سياسات الغرب المنشغل بملفاته الداخلية من جهة والمعروف عنه بانه تاجر بحسب التعبير لا يهمه سوى البيع والشراء لترتيب صفقات سياسية ودبلوماسية أشار إليها الاسد ولو تلميحا من خلال اعلانه بان الازمة السورية شارفت على نهايتها، وذلك بعد ان تمكن الشعب السوري بحسب تعبير الاسد من كشف المؤامرة الدولية وتعريتها، وبالتالي إبطالها مع مفاعيلها الرجعية اذا ما جاز التعبير.
والمضمون الابرز حمله تجاهل معارضة الخارج مع علمه اليقين بهوية داعميها، ما يعني رسالة لهم بأنّ أيّ تسوية لن تعطيهم اي امتياز، انما معارضة الداخل التي تتشكل من المجتمع المدني وبعض العشائر هي من سيشارك في الحكومة العتيدة التي توقع لها هؤلاء أن تبصر النور في خلال الفصل الاول من العام الجاري ومن المقدر لها أن تتشكل مثالثة بين حزب البعث الحاكم ومعارضة الداخل والتكنوقراط، وبالتالي فإنّ المناصب السياسية ستكون من نصيب النظام والمعارضة على حد سواء بينما الادارية والخدماتية من نصيب المثقفين المتعاطفين مع اصلاحات الاسد، بما يعني أنّ الحكومة المفترضة ستتلاقى مع الطروحات الايرانية والروسية دون الاخذ بمصالح الغرب الذي تبنى نظرية اسقاط النظام واحلال الفوضى مكانه انسجاما مع نتائج الربيع العربي المحققة حتى الان.
اما الاشارة الابرز التي حملها الخطاب فهو تجاهل المعارضة المسلحة من خلال اعتباره بأنّ ما يحصل في سوريا من اعمال قتل وتفجير هو نتيجة اعمال ارهابية لا اكثر ولا اقل، وبالتالي فان ما تقوم به قوات حفظ النظام السوري يلتقي مع تطلعات الغرب وواشنطن تحديدا، وهي التي خاضت حروبها في العقد المنصرم تحت شعار محاربة الارهاب، وهذا يعني بالنسبة للاسد انه يتلاقى مع طروحات الولايات المتحدة ويلاقيها في منتصف طريق محاربة الارهاب.
اما في التوقيت فترى الاوساط ان الاسد ما كان ليعلن مواقفه المتقدمة التي تحسم بقاءه في الحكم من جهة واستمراره في القضاء على بؤر التوتر الامني من خلال عمليات استنزاف مدروسة عبر عنها باستخدامه لعبارة الصمود من جهة ثانية، كما انه ما كان ليتخذ مثل هذا الموقف الذي حمل فيه بعنف على العرب بشكل خاص لو لم يكن على ثقة تامة وكاملة بانه تخطى مرحلة الخطر الداهم، وبات في وضع يسمح له بتوجيه رسائل ميدانية من خلال المناورات العسكرية الاخيرة التي اجراها الجيش السوري بالرغم من الاوضاع الدقيقة التي يمر بها، ورسائل سياسية ودبلوماسية ضمنها خطابه الذي وصفه دبلوماسي عربي بالناري والساخن لما حمله من اشارات للعرب قبل سواهم.
أنطوان الحايك
المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية
إضافة تعليق جديد