أوباما أكثر خطورة من بوش على السلم العالمي
هي فرضية غير مسبوقة، ولكن مثيرة، طرحها الصحافي براندن أونيل في مجلة «المحافظ الاميركي» (ذي أميركان كونسيرفاتيف)، حول المرشح الرئاسي الاميركي باراك أوباما: هل يكون هذا السيناتور الديموقراطي، الذي يقدم نفسه على أنه «رئيس سلم»، حاملاً آخر للنزعة البوشية لـ«قيادة العالم» عسكرياً وسياسياً واقتصادياً و«ديموقراطياً»؟
يقول أونيل إن الكثير من الديموقراطيين باتوا «مقتنعين بجنون أن أوباما هو مخلص أميركا» من الخراب السياسي وانحطاط العهد البوشي، وقد «بدأوا يعانون من هلوسات سياسية»، و«يتخيلون أنه (أوباما) نقي ومستقيم، وصانع معجزات سيقوم... بقلب أعراف المحافظين الجدد التي تحكم أميركا».
لكن الحقيقة، برأي هذا الكاتب البريطاني، هي أن المرشح الشاب (46 عاماً) سيكون، في حال انتخابه، لا «محرضاً على الحروب» فحسب، بل سيذهب أبعد مما ذهب إليه بوش نفسه في تحويل العالم إلى باحة خلفية لأميركا، مستسيغاً «المهمة الاميركية» في أداء دور الشرطي للعالم، وقلب الانظمة الاستبدادية.
ويحاول أونيل دحض «خرافتين» شائعتين حول أوباما: الاولى أن أوباما كان خصماً رئيسياً ومتحمساً ضد حرب العراق (بعكس منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون) كما يروّج؛ والثانية أنه سيقاوم النزعة إلى شن حروب جديدة فيــما لو وصل إلى البيت الابيض. ويؤكد أن موقف أوباما كان مماثلاً لكلينتون خلال الاعوام الخمسة الماضية، وأن «خطابه ضد الحرب» في العام ,2002 الذي تستند إليه حملته الانتخابية، هو في الحقيقة خطبة مؤيدة للحرب، ومن هنا «الغموض» الذي يلفّ هذا الخطاب، وندرة اقتباس أي من جمله.
فرغم أن الخطاب يتضمن بالفعل وصفاً للغزو الاميركي للعراق على أنه «أحمق» و«طائش»، لكنه لا يجادل في الواقع إلا في أن إدارة بوش تسيء إلى شرعية الحروب الاميركية في الخارج، ما سيصعّب على الإدارات المقبلة إرسال جنود حول العالم لخلع الانظمة غير الصديقة.
ويتوجه أوباما، في الخطاب ذي الـ921 كلمة، إلى متظاهرين معادين للحرب في شيكاغو، في تشرين الاول من العام ,2002 قائلاً «دعوني أبدأ بالقول بأنني ـ رغم أن هذه هي تظاهرة ضد الحرب ـ أقف أمامكم كشخص لا يعارض الحرب بكل ظروفها» وهو موقف تكرر أربع مرات أخرى خلال الخطاب، وفق تعداد أونيل.
بعدها صوّت أوباما لصالح قرار يموّل حرب العراق ويعارض الانسحاب منه. وتحدث، في العام ,2004 عن إرسال المزيد من الجنود إلى العراق (سابقاً خطة الدفق البوشية) لفرض الاستقرار فيه. ثم صوّت، مع كلينتون، ضد مسودة السيناتور راس فينغولد، لسحب القوات الاميركية من العراق في تموز العام ,2007 وقبله ضد مسودة السيناتور جون كيري (حزيران 2006) لإعادة نشرها. ولم يفعل أوباما (مثل كلينتون) شيئاً لإنهاء حرب العراق قبل أيار الماضي، حين صوتا لقطع التمويل عنها.
وفي مقال طويل لمجلة «فورين أفيرز» (عدد تموز ـ آب الماضي)، جادل أوباما بأنه «بعد العراق، قد ننكمش إلى داخلنا. وهذا سيكون خطأ. إن اللحظة الاميركية لم تنقضِ بعد، ولكن يجب الامساك بها ثانية. يجب علينا أن نضع نهاية مسؤولة للحرب، ثم أن نجدد قيادتنا ـ العسكرية، الدبلوماسية والاخلاقية ـ لمواجهة التهديدات الجديدة واستغلال الفرص الجديدة».
وقد دعا أوباما إلى تعزيز حجم الجيش الاميركي بإضافة 65 ألف جندي، و27 ألف مارينز. وهو القائل، في العام الماضي، إن «تهديدات هذا القرن هي، على الاقل، بمستوى خطورة تلك التي واجهناها في الماضي، ولكن أكثر تعقيداً». هذه التهديدات يفصّلها كالتالي: «هي تأتي من أسلحة الدمار الشامل، ومن الارهابيين الدوليين الذين يردون على الظلم بالجرائم العدمية، ومن الدول المارقة المتحالفة مع الارهابيين، ومن القوى المتنامية التي قد تتحدى كلا من أميركا والمؤسسة الدولية للديموقراطية الليبرالية».
كل هذا يذكر بخطابات أكثر المحافظين الجدد يمينية، يقول أونيل. وكم يذكر أوباما ببوش حين يقول «إن أي رئيس لا يجب أن يتردد قط في استخدام القوة، بقرار أحادي إذا لزم الامر، لحماية أنفسنا ومصالحنا الحيوية عندما نتعرض لهجوم أو لتهديد وشيك».
الخطير في خطاب أوباما، برأي الكاتب المحافظ، أنه يتخطى نظيره البوشي بالدعوة إلى أن «تقود» أميركا «كل العالم» وحتى «أولئك الذين يعيشون في زوايا العالم المنسية»، مؤكداً أن أمن أميركا «يرتبط بشكل لا خلاص منه بأمن جميع الشعوب». وهذا، برأي أونيل، هو مؤشر نزعة أوبامية أكثر تطرفاً للتدخل في شؤون جميع الدول، لا تلك الانظمة المعادية لواشنطن فقط، حيث جميع الازمات تصبح شأناً أميركياً أمنياً.
وحين يجادل أوباما بأن خطأ حرب كالعراق «أنها قامت على السياسة لا القيم»، تتفاقم خطورة خطابه، بنظر أونيل، باعتبار أن السياسة حافز حربي قابل للزوال، فيما «القيمة» حافز لا نهاية له. وليس هناك أخطر من قائد مسلّح ومقنع، يملك حافزاً تاريخياً أخلاقياً على مستوى العالم.
المصدر: السفير نقلاً عن عن مجلة «المحافظ الاميركي»
إضافة تعليق جديد