«بلاك ووتر».. عينة من مئات شركات الأمن في العراق
من يعتقد بأن الولايات المتحدة لديها 167 ألف جندي في العراق فقط عليه ان يعيد النظر في معلوماته, فهناك ما يربو عن 120 ألف متعاقد يعملون جنباً الى جنب مع القوات الأميركية وينتمون الى نحو مئة شركة أمنية أجنبية عملت على تجنيدهم للقيام بمهام تأخذ طابعاً هجومياً في بعض الأحيان.
ولا يكاد يعرف على وجه الدقة نظام عمل هؤلاء «المرتزقة» ومهامهم وحتى القتلى من بينهم, وفيما تشير مهامهم المعلنة الى انهم يوفرون الحماية لكبار الديبلوماسيين الأجانب، فإن ثمة أحداثاً تشير الى قيامهم بمهمات «هجومية».
وقد لوحظ ان وتيرة عمل الشركات الأمنية تصاعدت بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 على نحو كبير بسبب تعاقد الجيش الأميركي معها، واستفادت وزارة الدفاع «البنتاغون» من امتياز الخصخصة الذي يتمتع به قطاع الأمن والدفاع في الولايات المتحدة وتم في ضوء ذلك استخدام ما يقدر بـ (15000) الى (20000) مقاول أمني خاص لسد النقص في أعداد القوات داخل العراق في ظل مقاومة شرسة تواجهها.
ولعل ما يقلق في مثل هذه القضية ان مجموعات «المرتزقة» لا تخضع لأية ضوابط ويعمل أفرادها خارج الأطر القانونية والدستورية بمقتضى المرسوم رقم 14 (2004) الذي ينص ان شركات الأمن الخاصة لا تخضع للقانون العراقي.
وتجدر الإشارة هنا الى أن النظام الداخلي أو الهيكلية التي تحكم هذه الشركات غير متكاملة وهي في طور التكوين وقد تتبلور لاحقاً لتحل محل الجيوش النظامية في قضايا الحسم العسكري, إلا أنها اليوم تخضع الى «بورصة» مناقصات بين المتعاقدين.
ويقول ظافر الســعدي وهو أحد الذين عملوا في إحدى شركات الأمن في العراق وهاجر الى سورية بعد مـــقتل اثنين من أشقائه ان «تجربتي في العمل ضمن الشـــركة الأمنية كانت قاســـية وكنا نضطر الى قتل الكثير من الأشخاص لمجرد الاشتباه بأنهم أعداء ولم يكن همنا سوى المال الوفير الذي كان يدفع لنا مقابل حمــاية شخص معـــين أو بناية أو حي».
ويرى مراقبون ان الولايات المتحدة عمدت وفي شكل غير مسبوق على إطلاق ظاهرة استعمال «المرتزقة» في العراق من دون حسيب او رقيب ومن دون الأخذ في الاعتبار مفاهيم تغير الولاء أو إثارة الرأي العام الأميركي الذي ينهض بقوة عندما تتزايد أعداد القتلى في الجيوش النظامية فيما لا أحد يهتم بظاهرة قتل المرتزق.
وعلى رغم ان المهام المعلنة لهؤلاء المتعاقدين الأمنيين تشمل حماية الحدود والمسؤولين او تدريب الجيش والشرطة العراقية أو حماية المؤسسات والبنى التحتية إلا أن التقارير أشارت الى قيامهم بمهام هجومية متطابقة مع مهام الجيش الأميركي في العراق.
ويقول جون هيلاي، مدير السياسات في منظمة «اور اون» الأميركية ان «نشاطات المرتزقة تعددت في العراق في مجال العمل العسكري لا سيما بعد موجة المقاومة العنيفة التي بدأ يواجهها الجيش الأميركي في منتصف عام 2004»، لافتاً الى ان حرب الفلوجة لعب فيها المرتزقة دوراً كبيراً في مسألة الحسم, وكذلك فضيحة سجن ابو غريب.
وتعد شركات «بلاك ووتر» و «دينكوب» و «تربيل كانوبي» و «ارمر غروب» من ابرز الشركات الأجنبية التي عملت في العراق, إلا ان «بلاك ووتر» أو الماء الأسود تعد اكبر الشركات في البلاد ويبلغ عدد العناصر الذين يعملون تحت إمرتها داخل العراق نحو 20 ألف عنصر, وكانت من أوائل الشركات التي وقعت عقوداً بلغت قيمتها مئات ملايين الدولارات مع وزارة الدفاع الأميركية.
ويعتمر العاملون في هذه الشركات خوذات معدنية وسترات واقية من الرصاص وهم مجهزون بمعدات مماثلة للجيش النظامي تشمل أسلحة ورشاشات وآليات مصفحة حتى ان «بلاك ووتر» تمتلك مروحيات تجوب أجواء العاصمة بغداد.
ويقول مدير مركز القيادة في وزارة الدفاع العراقية اللواء عبد العزيز محمد جاسم ان «أفراد القوات الأمنية أنفسهم يخافون العاملين في هذه الشركات كونهم لا يلتزمون القوانين والمعايير الأخلاقية، مشيراً الى ان هنالك نوعين من الشركات الأمنية في العراق: الشركات التي يقتصر عملها على الحماية اللوجستية خلال التنقل وشركات أخرى تضطلع بمهمات هجومية قتالية».
وتفجرت قضية «المرتزقة» في العراق في شكل كبير بعد قتل أربعة منهم تابعين لـ «بلاك ووتر» في شوارع مدينة الفلوجة وأحرقت جثثهم وعلقت على أعمدة أحد جسور المدينة عام 2004، بعدها نشر الكثير من الدراسات والبحوث حول مهام «المرتزقة» في العراق والأدوار التي يقومون بها داخل البلاد.
وأثارت الحادثة التي قتل فيها 11 عراقياً على أيدي أفراد «بلاك ووتر» كانوا في مهمة توفير حماية ديبلوماسيين أميركيين علامات استفهام كثيرة، فالعراقيون يحملون قصصاً مخيفة عن أولئك «الجنود» وعلى رغم ذلك لم تسلط الأضواء عليهم وهم معروفون لدى العراقيين ببطشهم وقسوتهم ويطلقون النار بشكل عشوائي على كل من يقترب من مواكبهم.
ويقول أبو سجاد الذي فقد ابنه واخيه اثناء حادث الأحد الفائت لـ «الحياة» ان «الجو كان حاراً جداً وكنا قد وصلنا الى ساحة النسور فيما كان يعبر موكب من آليات مصفحة وأفراد يرتدون خوذات معدنية وسترات واقية للرصاص وكان ذلك في ساعة الذروة».
ويضيف بعد ثوان سمعنا انفجارين عنيفين ليبدأ هؤلاء المرتزقة بإطلاق النار في شكل عشوائي بعد ان ترجلوا من سياراتهم وبعد فترة وجدت ابني وشقيقي مقتولين وقد اخترقتهما رصاصات عدة.
اما ابو سامر الذي فقد ابنه فأكد ان الذين قتلوا يتجاوز عددهم الـ50 «رأيتهم بعيني والناس الذين يعزوني بمقتل ابني يهنئوني بالسلامة وهذه سيارتي فيها وحدها 30 رصاصة».
في موازاة ذلك اكدت شركة «بلاك ووتر» عبر موقعها على الانترنت ان «جنودنا الابطال لم ينفذوا سوى المهمة الملقاة على عاتقهم وكانوا بمستوى المسؤولية، لافتة الى ان الموكب الذي كان يضم مسؤولين أميركيين تعرض لهجوم من قبل مسلحين».
وسارعت الحكومة العراقية في موقف فريد الى التنديد بالحادث وقررت سحب ترخيص «بلاك ووتر» وفسر ذلك على انه دعاية لها في مواجهة الموقف الشعبي منها لا سيما في ظل الفشل الذي يسود معظم الوزارات والدوائر الخدمية.
ولا بد من الإشارة الى مدى قدرة السلطات العراقية على إيقاف عمل شركة أمنية هي الأكبر في البلاد وتوفر الحماية لموظفي السفارة الأميركية. وبحسب مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية «فأن قضية بلاك ووتر ستكون اختباراً للديبلوماسية بين الولايات المتحدة والعراق». ويضيف «انه يجب على الحكومة العراقية عدم التمادي في القضية فهي لا تمتلك صلاحية إيقاف شركة أمنية متعاقدة مع الجيش الأميركي وليس معها».
حسين علي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد