«القاعدة».. من خلف الصورة!
بموازاة الرتابة التي باتت تلازم ردود فعلنا حيال استمرار تواتر الأشرطة التي يبثها تنظيم «القاعدة»، لا بد لمن يتابع تلك الأشرطة أن يلاحظ تدرجاً ملحوظاً في ما يتعلق بالتقنيات المستخدمة والتي يجهد التنظيم في استغلالها، وهذا أمر له دلالته ويجدر التأمل فيه قليلاً.
في شريطه الأخير والذي نعى فيه الأردني أبو مصعب الزرقاوي، بدا مساعد زعيم تنظيم «القاعدة» الأبرز أيمن الظواهري وكأنه يتحدث من أحد استوديوهات الفضائيات البارزة ولم يكن ينقصه سوى ظهور المذيع الذي يحاوره.
لم يبد على الطبيب المصري، قبل أن يصبح الرجل الثاني في «القاعدة»، أنه شخص مطارد يتنقل في جبال ومناطق وعرة وأدلى من هناك بحديث جرى بثه لاحقاً عبر الانترنت.
بدت صورة الظواهري غاية في الاحتراف إلى حد يتجاوز فكرة الصورة السريعة التي تم التلاعب تقنياً في خلفيتها ومن ثم توزيعها على وسائل الإعلام. هيئة الظواهري كانت مدروسة حتى في أدق تفاصيلها، ومنها تلك المتعلقة بزيه الأفغاني الأبيض وعمامته الطالبانية السوداء. أما تقنياً فكان واضحاً أن الإضاءة المركزة عليه كانت دقيقة وموزعة بشكل فني ناجح ولا تتركز على زاوية واحدة. كان الظواهري يقرأ بيانه وبدا ذلك من حركة عينيه على الشاشة التي تعرف بـ Tele Prompter المستخدمة عادة في الاستوديوهات والتي يقرأ المذيعون من خلالها نشرة الأخبار. أما الصوت فكان نقياً واضحاً وبدا الميكرفون الصغير معلقاً على سترته. الخلفية التي استخدمت فيها صورة الزرقاوي ظهرت كنتاج تقنيات معروفة في استوديوهات الأخبار والتي تسمى بـ«الكروما» وكذلك إضافة «لوغو» الجهاز الإعلامي في «القاعدة».
يمكن من خلال تحليل شريطه الأخير الافتراض بأن الظواهري كان محاطاً بفريق تقني إعلامي باتت له خبرته أو على الأقل هناك فريق أو جهة إعلامية نافذة وقوية تمده بالخبرة وأن تسجيل كلمته لم يتم في جبال حدودية بل في أحد الاستوديوهات المحترفة، ولا يفوتنا أنه قبل أيام وردت معلومات عن وجود عدة مصورين استخدموا في تصوير أشرطة الظواهري السابقة.
الدراسات والتحليلات التي ركزت على إعلام «القاعدة» من حيث التقنيات وقوة التأثير كثيرة، لكن ربما الأمر تجاوز حدّ تركيزنا على قدرة التأثير وحدها إلى ضرورة معرفة من يقدم هذه التسهيلات ومن المستفيد من استمرار أسطورة «القاعدة» وإضفاء هالات مزيفة على صورة زعيم التنظيم أسامة بن لادن ومساعده ومريديه.
شريط الظواهري يطرح تساؤلات يصعب تجاوزها وقد تصل التساؤلات إلى حدّ الريبة بالجهد الذي يدعي الأميركيون أنهم يبذلونه لملاحقة زعيم «القاعدة» وأعوانه، والريبة بجميع من يمكن أن يسهل إنتاج هذه الأشرطة وتوزيعها. فإزاء الجهد الإعلامي لتظهير الأشرطة القاعدية المحترفة من الصعب التصديق أو الاعتقاد أن الوصول إلى خيوط تتعلق بأمكنة هذا النشاط الإعلامي لم تتوافر، خصوصاً أن الذي يدعي أنه يتولى البحث عن الظواهري وبن لادن من المفترض أن يكون من أكثر الأجهزة الأمنية والمخابراتية احترافاً.
شريط الظواهري الأخير وكما ثبت الصورة الدامية والمريضة لتنظيم «القاعدة» هو أيضاً ثبت شكوكاً كثيرة حول جدية الجهود للقبض على زعيم التنظيم وعناصره.
ديانا مقلد
المصدر: الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد