«ابدأ بنفسك» تنشر ثقافة ما بعد الثورة المصرية وتبدأ بنفسها

20-06-2011

«ابدأ بنفسك» تنشر ثقافة ما بعد الثورة المصرية وتبدأ بنفسها

صيف وعطلة وملايين من الشباب المترقب لمصر ما بعد الثورة. مشكلات كثيرة، وحلول أكثر. كلام لا أول له ولا آخر، بعضه مفيد، وبعضه الآخر عقيم. وقت فراغ، وفراغ من نوع آخر يحيط بكثيرين، منهم من يعاني بسبب عطلة الصيف التي انطلقت، ومنهم من وجد نفسه في فراغ ناتج عن بطالة ما بعد الثورة والتوقف شبه التام لعجلة الإنتاج. ولكن... هناك من قرر أن يحول الفراغ إلى عمل وجهد فيهما فائدة له ولمن حوله.

محمد أبو النجا (24 عاماً) أحد أولئك الشباب الذين تضرر عملهم في أعقاب الثورة، لكنه وزملاء له قرروا أن يحولوا الفراغ إلى عمل، وخبراتهم إلى فائدة عامة، لا سيما للفئات الأكثر عوزاً، ليس فقط لرفع مستوى معيشتها، ولكن لرفع مستوى وعيها.

قد لا تعرف غالبية القاهريين اسم محمد أبو النجا، لكن الغالبية المطلقة سمعت أو رأت، والجميع أبدى إعجابه بملصق «مصر بتتغير وإنت لسّى بتركن صف ثاني»، الذي وجده كثيرون على سياراتهم التي تركوها في عرض الطريق! ليس هذا فقط، بل إن رجال المرور استعانوا بالملصق وطبعوا منه أعداداً كبيرة واستخدموه بديلاً من المخالفات لتشجيع المواطنين على الالتزام بـ «التي هي أحسن»!

وليس هناك ما هو أفضل من مجموعة شباب آخذة في التزايد يوماً بعد يوم تؤسس جمعية تعكس فحوى الملصق «ابدأ بنفسك»! يصل أبو النجا متأخراً بعض الشيء عن الموعد المحدد للقاء. آثار حرارة الجو وسخونة الصولان والجولان على المكاتب الحكومية واضحة على وجهه وضوحَ الشمس الملتهبة في الخارج. يُمضي الجزء الأكبر من أيامه حالياً في إنهاء الأوراق والحصول على الأختام اللازمة لإشهار الجمعية التي خرجت من رحم الثورة «ابدأ بنفسك». ولأن من غير المعقول أن يرأس إدارة جمعية بهذا الاسم، ويدفع رشاوى لإنهاء الإجراءات، فقد اختار أبو النجا الطريق الصعب، «قررت ألا أدفع مليماً رشوى أو إكرامية أو هدية لأحد»، يردد.

لكن الهدية الحقيقية التي تحملها الجمعية، هي تنظيم صفوف الشباب المتطوعين من خلال تنفيذ ستة محاور يصب جميعها في المصلحة العامة لمصر. يقول: «القصة بدأت بالملصق، الذي لاقى إعجاباً منقطع النظير، ثم تطورت إلى مجموعة من المحاور، التي اخترناها بناء على الأفكار التي تلقيناها عبر استقراءات للرأي عبر صفحتنا على فايسبوك».

المحاور الستة التي يتركز عليها عمل الجمعية الوليدة هي: المرور، القمامة، الوعي التنموي، الفساد وغيرها.

البداية كانت مع المرور عبر الملصق الشهير الذي تبنت فكرته العديد من الجهات الحكومية والأفراد وتمت طباعة الآلاف منه حتى وصلت إلى المحافظات، ما ساهم إلى حد ما في مواجهة إحدى أبرز مشكلات المرور في مصر هذه الأيام، في ظل الفوضى العارمة التي تجتاح الشارع. مشروع آخر خاص بمحور المرور يجري العمل فيه حالياً، هو مخاطبة الأفراد الذين يملكون أراضي خاوية في المناطق الحيوية من الجيزة والقاهرة، إذ يتم التفاوض معهم لتحويلها إلى مواقف متعددة الطوابق من شأنها أن تحقق دخلاً مادياً كبيراً لأصحابها، بالإضافة إلى إزالة الكثير من التعديات على الشوارع التي يتم إغلاق بعضها كلياً في ساعات الذروة تحت وطأة السيارات المنتظرة في عرض الطريق.

مسألة مهمة أخرى تشغل بال مجموعة «ابدأ بنفسك»، وهي تلال القمامة التي كادت تخفي الكثير من المعالم الرئيسية للقاهرة الكبرى. شوارع عدة في الجيزة والقاهرة باتت تحوي سلات قمامة بمقاسات مختلفة، بعضها يتم تركيبها أمام المحلات التجارية، أو أمام العمارات السكنية، أو في البيوت. إحدى أبرز مميزات هذا النشاط هو تعريف المواطنين بفكرة فصل القمامة إلى قسمين: عضوي وغير عضوي. يقول أبو النجا ان رد فعل المواطنين لإلقاء القمامة في هذه السلات ممتاز، وإن كانت فكرة الفصل بين نوعي القمامة مازالت تحتاج إلى مزيد من التوعية.

ويبدو أن «التوعية» هي مربط الفرس في العديد من مشكلات المجتمع المصري، ومن ثم ركيزة العمل لمن تتوافر لديه نية الخدمة المجتمعية. وفي «عزبة النصر» في حي البساتين الشعبي، تدور فعاليات المحور الثالث من عمل «ابدأ بنفسك». أطفال عزبة النصر، وهي منطقة عشوائية بامتياز، يستقبلون الشباب والشابات من متطوعي «ابدأ بنفسك» أسبوعياً، وذلك ضمن فعاليات محور التوعية التنموية. «على رغم أن الغرض الرئيس من نشاطاتنا في تلك المنطقة كانت رفع وعي الأطفال بحقوقهم، وتدريبهم على سبل التعبير عن الرأي، والملكات الاجتماعية، وقواعد النظافة، وغيرها، إلا أننا اكتشفنا أنهم يعانون مشكلات عدة، منها مثلاً أنهم لا يثق بعضهم في بعض، هذا بالطبع بالإضافة إلى تعرضهم اليومي للعنف، سواء في المدارس ام الشارع. لكن الطامة الكبرى هي أن كثيرين من أولئك الأطفال لا يعرفون القراءة والكتابة، وإن كانوا ملتحقين بالصف السادس الابتدائي في المدرسة».

ونظراً إلى أن كارثة أمية أطفال ملتحقين  بالتعليم هي حالة شائعة ونتيجة طبيعية للفساد، فإن المحور الرابع من عمل «ابدأ بنفسك» هو الفساد الذي تستعد المجموعة لمجابهته من خلال سلاح الملصقات كذلك، لكنها هذه المرة لفضح المرتشي وتعليق صوره.

ومن فضيحة المرتشي إلى محور «الكتابة والبحث»، الغريب قليلاً على عمل الجميعات الشبابية. وأول نشاطات هذا المحور هو كتابة بحث سيتم تقديمه إلى منظمة الأمم المتحدة بناء على طلبها، ويدور حول الشباب قبل الثورة وبعدها.

ولأن ثورة يناير لم تكن لتتم أصلاً من دون تكنولوجيا المعلومات والإعلام الجديد بأدواته المختلفة، فإن المحور السادس هو الإعلام، لكنه إعلام «يوتيوب». يقول أبو النجا: «نعمل حالياً على تجهيز عدد من الأفلام القصيرة التوعوية التي سيتم تحميلها على «يوتيوب»، لأنها وسيلة تصل الى اكبر عدد ممكن من الشباب والفتيات».

أمينة خيري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...