سقوط إدلب بعد بابا عمرو ضعضع المجلس الوطني وأعاد للنظام زمام المبادرات
دخلت الأزمة السورية في مرحلة جديدة بعد أن أسقط الجيش السوري ثاني أكبر معقل للجيش السوري الحر الذي اكتفى بالاعلان عن انسحابه من مدينة ادلب بعد بابا عمرو من دون أن يشير إلى خطواته اللاحقة. فخروج مدينة ادلب عن سيطرة المسلحين شكّل عامل فرق كبير، لقربها من الحدود التركية من جهة، ولاعتبارها الممر الاوسع لعمليات تهريب السلاح والمقاتلين من جهة ثانية، فضلا عن اتصالها الجغرافي والسياسي بمخيمات النازحين على الحدود من جهة تركيا.
سقوط مدينة ادلب لا يعني بالطبع انتهاء الازمة السورية، بل هو يعطي إشارة واضحة إلى استعادة الرئيس بشار الاسد لزمام المبادرة العسكرية بعد نجاحه في حسم المعركة لمصلحته في ريف دمشق ومن بعدها بابا عمرو، من دون حسم الازمة بصورة نهائية او جازمة، خصوصا أنّ مصادر سورية واسعة الاطلاع تعرب عن خشيتها من "عرقنة" الوضع، بمعنى تحويله إلى ساحة مفتوحة للتفجيرات الارهابية المتنقلة بين الشوارع والمدن، من خلال اعتماد سياسات حرب العصابات، وهي الحرب التي يبرع فيها تنظيم القاعدة وكل ما يتفرع عنه من منظمات وحركات واحزاب اصولية وسلفية، بحيث تتحول بعدها الأزمة إلى حرب استنزاف سياسي وعسكري ومعنوي واقتصادي بكل ما للكلمة من معنى.
إلا أنّ المصادر تعود لتتحدّث عن نوع من التفاؤل بعد الانسحابات التي سجلها بعض اعضاء المجلس الوطني السوري من جهة، والموقف الروسي الاخير الممتعض من التأخير الحاصل في الشروع بالاصلاحات السياسية المتفق عليها، وهو ما يؤشر إلى احتمال واحد من اثنين فإما أنّ روسيا بدأت تشعر بثقل الازمة السورية، أو أنّها تسعى لأن تكون عرّابة من دون منازع لتسوية سياسية قريبة، مع أرجحية كاملة للاحتمال الثاني لعدة اعتبارات ومؤشرات أولها استمرار مصلحة روسيا الاستراتيجية بالتعاطي الكامل مع النظام، كما إصرارها على توسيع سيطرة قاعدتها المعززة في طرطوس على المتوسط، فضلا عن إصرارها على حماية خطوط الغاز التي تمر في الاراضي السورية، وثانيها استمرار موسكو بتزويد الجيش السوري بالتقنيات الضرورية لمواجهة التكنولوجيا التي يستخدمها المسلحون وهي على مستويات عالية من التقنية تقوم على اتصالات "الثريا" المتقدمة للغاية والتي لا يمكن اعتراض خطوطها الا من خلال تقنيات روسية عالية على غرار نظام "افتوباز" التي تؤكد المعلومات أنّ الجيش السوري استخدمه على نطاق واسع وبفاعلية عالية ساهمت في اعتراض اتصالات المسلحين وملاحقتهم في بابا عمرو، كما في ادلب.
وفي حين يعترف مصدر قريب من المعارضة السورية أنّ سقوط مدينة ادلب بهذه السرعة القياسية اثر كثيرا على معنويات المقاتلين واحبط الدول الداعمة لهم، يعود ليقلل من أهمية انسحاب أعضاء من المجلس الوطني الذي يتخذ من اسطنبول مركزا له، وذلك لعدة اعتبارات أولها أنّ معارضة الخارج فقدت الكثير من صدقيتها بعد أن تبين أنّ حجمها العسكري لم يشكل الفارق الكبير، فضلا عن العجز الذي سجله حول عدم قدرته على توحيد المعارضات، وهذا ما استغلته واشنطن للامتناع عن الاستمرار بتسليح الجيش السوري الحر من جهة، ولنشر تقارير استخباراتية مركزية تكشف عن وجود أكثر من عشرين فصيلاً داخل الجيش السوري الحر، واكثر من مرجعية قيادية وسياسية بين صفوفه من جهة ثانية.
أنطوان الحايك
المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية
التعليقات
ليس بعد
إضافة تعليق جديد