حجابي على رؤس الآخرين
أخبرت الجميع بأني أريد أن أخلع حجابي فبدأت المعركة.
لا أحد يريد التواطؤ معي. يهربون ويهرولون مسرعين كأنني كائن من الفضاء الخارجي أحمل فيروساً مسمّاً. وجهّزوا العدة لمواجهتي وتسلحوا بأسلحة من العيار الثقيل. ورافقت الحملة بروباغندا عنوانها: مجنونة أنت الآن! بعد ثلاثة عشر عاماً تريدين أن تخلعي الحجاب!
يضحكونني بذلك، وكأنني وقتها كنت صاحبة الخيار! أذكر كيف أجلسوني وسألوني: هل تريدين أن تكوني مع الشيطان؟
أمي لمياء كانت هادئة، وعلى الرغم من أنها لم تذهب إلى الجامعة يوماً لكنها كانت أرقى من كثيرين تعلموا. قالت لي: قد أحترم رأيك وقد يكون منطقياً بعض الشيء، ولكن يا عزيزتي لا أستطيع أن أقول نعم، لأنه المجتمع ولأنني لا أستطيع أن أراك بلا حجاب (أحترمك يا أمي).
خالي عاطف (كان يؤدي دور المرجع) قال: لا أستطيع أن أساعدك وكيف لي أن اقبل بما يخالف للدين والشرع! وسكت.
أضحكني خالي جداً. فلقد نسي الشرع عند حدود تنورة زوجته وفساتين بناته المكشوفة الصدر.
إخوتي، لم أبلغهم بعد. منهم من كبر ومنهم ما زال صغيراً.
صديقتي ندى لن تكلمني إن خلعت الحجاب، لقد هددتني بشكل مباشر. وأردفت قائلة: هذا شيطان يوسوس لك! وهذه نزوة.
أفزعتني. لم أتوقع يوماً أن في داخلي ينمو شيطان!
والدي مصطفى لم يعلم بعد. ترى، ماذا سيفعل لاحقاً؟ أنا واثقة من أنه لن يضربني بالعصا. لم يستعملها يوماً وأعتقد بأنه لن يستعملها الآن. والدي حنون، يحبني جداً، لم يقهرني يوماً، لكن بالطبع، وبحكم الدين، تزول الإمبراطوريات.
أختي هدى مسافرة منذ زمن بعيد، وقد قالت: هذا أمر يعود لك اتخاذ القرار فيه، وعلى الجميع تقبل قرارك.
معذورة، فهي لم تترعرع في مجتمع عربي.
فرحت أخريات بالخبر، وكنّ من دين آخر. وقد يكنّ معاديات للحجاب.
ولقد سألوني باكتراث: ألا تخافي من المجهول وما يخبئه الغد لك؟
من منّا يعلم نتيجة خياراته مسبقاً؟
واحد لا يحمل إسماً، فهو أوسع من الأسماء، وعدني بأن يعطيني مقالاً كتبه عن الحجاب كي يساعدني في بلورة أفكار أستعملها للدفاع عن نفسي. لكنه حتى اللحظة لم يفعل ذلك. أنا أعلم أنه مشغول. لكنه فعل شيئاً أهم إذ علّمني منذ زمن بعيد أن أكون مؤمنة بلا مذهب. علمني قول الإمام علي، حفظته: إلهي ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك إنما عبدتك لأنك أهل للعبادة.
لا تزال المعركة دائرة. قد تدميني وتثقلني بالجراح وأنهزم.
لكن المسألة أبعد من مجرد حجاب. إنها مسألة تتعلق بهوية في داخلي لا أريد أن أقمعها.
لا أريد أن أعيش حياتي كلها في تخاذل وغش.
لا أريد أن أموت ونفسي مسجونة رهينة الخوف من التغيير.
رهينة شجاعة القول وليس الفعل.
وأنا لست ضد الحجاب. لكنها ولادتي الجديدة.
أحاول أن أنتقي لنفسي نمط حياة جديداً بكامل صور الحياة.
اسم جديد وأفكار جديدة وخطوات جديدة.
والحجاب هو خطوتي الأولى.
زينب عواضة
المصدر: السفير
التعليقات
لا أعرف لما
معك
الموضوع اكبر بكثير..
أنا معك
إضافة تعليق جديد