وفاة المخرج البريطاني أنطوني منغالا
رحل امس المخرج البريطاني أنطوني منغالا عن عمر لا يتجاوز الـ54 عاما. وخلال 18 عاما من عمره السينمائي كمخرج، حقق منغالا أقل من عشرة أفلام... وهو عدد قليل بالمقارنة مع شهرته الواسعة والجوائز الكثيرة التي نالها عدد لا بأس به من هذه الأفلام، خصوصا «المريض الانكليزي». غير أن المهم في مسيرة هذا المبدع الإيطالي الأصل الذي رحل باكرا، لم يكن عدد أفلامه ولا عدد جوائزها، بل تنوع موضوعاته بحيث انه، في شخصه وفي عمله، جسد في شكل جيد ما نتحدث عنه دائماً من بداوة الفن السابع، الذي كان ولا يزال رائداً في العولمة والتبادل الثقافي والفني بين الشعوب والبشر. والحقيقة ان جذور منغالا كانت تؤهله لهذا: فهو من أب إيطالي الأصل اسكتلندي الفروع، حقق ثروة من خلال صناعة المثلجات الإيطالية وبيعها في انكلترا، ومن أم تعود جذورها الى مدينة ليدز، لكن هذه الجذور تمتد أصلاً الى إيطاليا.
من هنا اعتقد كثر منذ شاهدوا ثالث أفلام منغالا «المريض الانكليزي» بأنه إيطالي يعمل في السينما الانكليزية، ذلك أن عالمه السينمائي إيطالي، يكاد أن يكون مرتبطاً بسينما برناردو برتولوتشي. وتعامله مع الشخصيات تعامل إيطالي. لذا، حين فاز فيلمه هذا بتسع أوسكارات من أصل 12 رشح لها، من بينها «أفضل فيلم» و «أفضل مخرج» تحدث كثر عن «فتح هوليوود أبوابها واسعة أمام الايطاليين». وعزز هذا الاعتقاد فيلم منغالا التالي «مستر ربلاي الموهوب» الذي رشح لخمس اوسكارات، لم ينل منها واحدة. صحيح أن هذا الفيلم مأخوذ عن رواية لباتريسيا هايسميت، لكن أحداثه تدور في إيطاليا، لا سيما البندقية التي صورتها كاميرا منغالا ببراعة مدهشة. لاحقاً سيحقق منغالا في الولايات المتحدة أحد أقوى الأفلام عن الحرب الأهلية الأميركية «الجبل البارد» (2003) الذي رشح لسبع أوسكارات نال منها واحدة. والحقيقة أن هذا النوع من الجوائز لم يكن غريباً عن أنطوني منغالا الذي حصد عدداً لا بأس به منها خلال عمله المسرحي ككاتب قبل أن يخوض الإخراج السينمائي، حيث نراه يكتب بدءاً من أول سنوات الثمانين نحو نصف دزينة من المسرحيات المميزة والطليعية.
حتى كتابة هذه السطور لم تعلن الأسباب الحقيقية لوفاة أنطوني منغالا المفاجئة. لكن ما لا يحتاج الى إعلان، في الواقع، هو المكانة المميزة التي احتلها هذا الفنان بين المسرح والسينما، وكونه كان يعتبر، على رغم بداوة عمله، واحداً من الآمال الكبرى في السينما الانكليزية الجديدة، وواحداً من مؤسسي العائلات الفنية، حيث ان ابنه ماكس ممثل، وابنته هانا مساعدة انتاج، وزوجته مدربة رقص وأخاه دومينيك كاتب سيناريو.
هذا الحضور لمنغالا أتى الموت ليضع حداً له، كما وضع حداً لمسار سينمائي كان ازداد شعبية في الآونة الأخيرة، مع النجاح الكبير لفيلمه «كسر وخلع»، في وقت كان يتوقع لفيلمه الأخير «أولى وكالات التحري النسائية» ان يحقق نجاحاً جماهيرياً، بحسه الكوميدي الجديد. أما بالنسبة الى الفيلم الذي كان منغالا يخطط لإنجازه هذا العام، وهو «حياة لويس دراكس» التاسعة، فإن مصيره يبدو غامضاً. ومهما يكن، فإن رحيل أنطوني منغالا يعتبر خسارة حقيقية، للسينما الانكليزية من جهة، ولنوع متجدد من سينما شعبية تزاوج بين قوة التعبير وجودة الحرفية والبعد الشعبي، من جهة ثانية. ناهيك بأنه، أيضاً، خسارة للتلفزة الجيدة، حيث من المعروف أن منغالا، الذي عمل للتلفزيون كاتباً ومخرجاً بين الحين والآخر، كان من الداعين دائماً الى المقاربة بين شتى فنون الصورة.
إبراهيم العريس
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد