وفاة المحامي اللغز جاك فرجيس

17-08-2013

وفاة المحامي اللغز جاك فرجيس

مضى جاك فرجيس عن 88 عاما.
المحامي الفرنسي الأممي توفي ليل أمس الأول. عاند رئته المريضة الملتهبة حتى النهاية، في شقته في رصيف «فولتير»، وتنفس آخر نفثات سيجاره الكوبي الشهير، قبل أن يخلو إلى «موكله الأخير» كما كان يحلو له أن يقول عن الموت، ورحل. فرجيس يدخن السيجار في قصر العدل في باستيا في 20 تشرين الثاني العام 2002 (ا ف ب)
لا ينبغي الركون إلى ما ستقوله مراثي الصحف الفرنسية عن فرجيس، الذي لم تحفظ مقالات الرثاء الرخيص منه، سوى براعته في الاستفزاز والعنونة بأن «محامي الشيطان» قد مات، ذلك أن فرجيس دافع فعلا عن الشيطان.
وروى رئيس المجلس الوطني لنقابات المحامين كريستيان شاريير برونازل «انه وقع قبل بضعة أشهر وأصيب بالوهن وأصبح يمشي ببطء شديد ويتكلم بصعوبة لكنه ظل سليما عقليا. كنا نعرف انها آخر أيامه، لكننا لم نتصور أن نهايته ستأتي بهذه السرعة».
فرجيس، الذي ولد في العام 1924، في جزيرة من المحيط الهندي لأب فرنسي وأم فيتنامية، انضم فتيا، ابن 17 عاما، إلى المقاومة الفرنسية، ليفيق شيوعيا وماويا مدافعا عن النازي كلاوس باربي، في العام 1987. وباربي جلاد وقاتل أيقونة المقاومة الفرنسية وقديسها جان مولان خلال الحرب العالمية الثانية.
الاستفزاز بدأ قبل ذلك بكثير. في الجزائر وثورتها. لم يفقده ذلك كل الصداقات. جان جينيه، الكاتب الكبير، أرسل إليه يقول «سمعت انك تدافع عن باربي، أنت صديقي أكثر من أي وقت مضى».
لكن أفضل إنجازات فرجيس تبقى المحاكمة المضادة. فرجيس «الجزائري» ابتكر المحاكمة المضادة للمؤسسة القضائية والسياسية وسيلة دفاع. الهجوم السياسي والقانوني أفضل وسيلة دفاع في المحاكم. لم يكن فرجيس يعبئ باستنباط القرائن، ولا بتدمير دلائل الخصم، لتبرئة موكله. لم تكن طبيعة القضايا السياسية التي تبناها تسمح بذلك. كانت نظريته «قطيعة» مع التكتيك التقليدي، عندما ينبغي الوقوف في المحاكم الاستعمارية والبورجوازية. فعندما دافع عن «الإرهابية» الشهيرة جميلة بوحيرد، كان يحاكم في مطالعته الاستعمار، ليبرئ مناضلي «جبهة التحرير» الجزائرية. زوجته الثانية كانت جميلة بوحيرد. جنسيته الثانية الجزائر.
وبعد أن كان لفترة قصيرة مستشار الرئيس الجزائري الأول احمد بن بلة بعد استقلال الجزائر التي منحته جنسيتها، عاد إلى فرنسا ليدافع عن القضايا الدولية مثل الصين الماوية، وانشأ مجلة «ريفولوسيون» (الثورة) ومجلة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
لم يتوقف فرجيس طيلة حياته عن ترسيخ صورة الاستفزازي. والمحامي اللغز بنظر الإعلام الفرنسي، الذي اختفى 10 أعوام، قيل انه عاشها في أدغال كمبوديا مع رفاقه «الخمير الحمر» وصديقه بول بوت.
دافع عن «شياطين» كثيرة، كرفاق بول بوت، بعد سقوط حكمهم وظهور ملايين الجماجم ومعسكرات الموت. دافع عن ماغدالينا كوب، رفيقة كارلوس الأولى في «الجيش الأحمر» الألماني، وبرون بريغيه. ثم دافع عن كارلوس بعد أن خانه السودانيون وسلموه للاستخبارات الفرنسية. كارلوس قال للقضاة خلال المحاكمة «لقد اخترته للدفاع عني لأنه اخطر مني». كما دافع عن الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش.
فرجيس دافع عن المناضل العربي والسجين السياسي اللبناني جورج إبراهيم عبدالله، قضيته الأخيرة التي أعادته إلى نظريته الأولى في المحاكمة المضادة للاستعمار.
وردا على سؤال لصحيفة «فرانس سوار» في العام 2004 «كيف تكون محامي صدام حسين؟» قال جاك فرجيس إن «الدفاع عن صدام حسين ليس قضية ميؤوسا منها، بل الدفاع عن (الرئيس الأميركي جورج) بوش هو الميؤوس منه».
وقد ألف الرجل القصير القامة صاحب الوجه الساخر والنظارات المستديرة والشعر القصير المولع بالسيجار، والمولع بجمع لعب الشطرنج، 20 كتابا، وكان مقربا من شخصيات سياسية من العالم أجمع وفي الوقت ذاته من سائر المناضلين الذين كانوا يعملون في السر.

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...